الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

وهى مكية وآياتها 45 .

قوله تعالى : { الحمد لِلَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ } الآية { رُسُلاً } مَعْنَاهُ : بِالْوَحْيِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَوَامِرِهِ سُبْحَانَهُ ، كَجُبْرِيلَ وَمِيكائيل رسلٌ ، وَالمَلاَئكَةُ المُتَعَاقِبُونَ رُسُلٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، و{ مثنى وثلاث ورباع } أَلْفَاظٌ مَعْدُولَةٌ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثَةً وَأَرْبَعَةً أَرْبَعَةً عُدِلَتْ فِي حَالَةِ التَنْكيِرِ فَتَعَرَّفَتْ بِالْعَدْلِ فَهِيَ لاَ تَنْصَرِفُ لِلْعَدْلِ وَالتَّعْرِيفِ ، وَقِيلَ : لِلْعَدْلِ وَالصِّفَةِ ، وَفَائِدَةُ العَدْلِ الدِّلاَلَةُ عَلَى التَّكْرَارِ لأَنَّ مَثْنَى بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ : إثْنَيْنِ إثْنَيْنِ ، قَالَ قَتَادَةَ : إنَّ أَنْوَاعَ المَلاَئِكَةِ هُمُ هَكَذَا مِنْهَا مَا لَه جَنَاحَانِ ؛ وَمِنْهَا مَالَه ثَلاَثَةٌ ، وَمِنْهَا مَا لَهُ أَرْبَعَةٌ ، وَيَشُذُّ مِنْها مَا لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَرُوِيَ : أَنَّ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سِتَّ مِائَةَ جَنَاحٍ مِنْهَا اثْنَانِ يَبْلُغَانِ مِنَ المَشْرِقِ إلَى المَغْرِبِ .

وَقَوْلُه تَعَالَى : { يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ } تَقْرِيرُ لِمَا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ مِنَ التَّعَجُّبِ عِنْدَ الخَبَرِ بِالمَلاَئِكَةِ أُولِي الأَجْنِحَةِ ، أي : لَيْسَ هَذَا بِبِدْعِ فِي قُدْرَةِ اللّهِ تَعَالَى ، فَإنَّهُ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ ؟ وَرُوِيَ عَنْ الحَسَنِ وابن شِهَابٍ أَنَّهُمَا قَالاَ : المَزِيِدُ هُوَ حُسْنُ الصَّوْتِ ، قَالَ الهَيْثَمُ الفَارِسِيُّ : رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي : ( أَنْتَ الهَيْثَمُ الَّذِي تُزَيِّنُ القُرْآنَ بِصَوْتِكَ جَزَاكَ اللّهُ خَيْراً ) ، وَقِيلَ : مِنَ الأَقْوَالِ فِي الزِّيَادَةِ غَيْرَ هَذَا وَذَلِكَ عَلَى جِهَة المِثَالِ لاَ أَنَّ المَقْصِدَ هِيَ فَقَطْ .