معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التوبة مدنية وآياتها تسع وعشرون ومائة .

قال مقاتل : هذه السورة مدنية إلا آيتين من آخر السورة . قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : سورة التوبة ؟ قال : هي الفاضحة ؟ مازالت تنزل : ومنهم ، ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم إلا ذكر فيها ، قال : قلت سورة الأنفال ؟ قال : تلك سورة بدر ، قال : قلت : سورة الحشر ؟ قال : قل سورة بنى النضير .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن الحسين الجرجاني ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، أنبأنا أحمد بن علي بن المثنى ، ثنا عبيد الله القواريري ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، حدثني يزيد الفارسي ، حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال : قلت لعثمان بن عفان رضى الله عنه : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثاني وإلى براءة ، وهى من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ؟ فقال عثمان : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ، وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فإذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال مما نزلت بالمدينة ، وكانت براءة من آخر ما نزل ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتها في السبع الطوال .

قوله تعالى : { براءة من الله ورسوله } ، أي : هذه براءة من الله . وهي مصدر كالنشاءة والدناءة . قال المفسرون : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، كان المنافقون يرجفون الأراجيف وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم ، وذلك قوله عز وجل : { وإما تخافن من قوم خيانة } الآية ( الأنفال-58 ) . قال الزجاج : { براءة } أي : قد برئ الله تعالى ورسوله من إعطائهم العهود ، والوفاء لهم بها إذا نكثوا .

قوله تعالى : { إلى الذين عاهدتم من المشركين } . الخطاب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عاهدهم وعاقدهم ، لأنه عاهدهم وأصحابه راضون بذلك ، فكأنهم عاقدوا وعاهدوا .