مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وهي مائة وتسع وعشرون آية كوفي ومائة وثلاثون غيره

لها أسماء : براءة ، التوبة ، المقشقشة ، المبعثرة ، المشردة ، المخزية ، الفاضحة ، المثيرة ، الحافرة ، المنكلة ، المدمدمة ، لأن فيها التوبة على المؤمنين وهي تقشقش من النفاق أي تبرىء منه ، وتبعثر عن أسرار المنافقين وتبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها ، وتفضحهم وتنكلهم وتشردهم وتخزيهم وتدمدم عليهم . وفي ترك التسمية في ابتدائها أقوال ؛ فعن علي وابن عباس رضي الله عنهم ، أن بسم الله أمان وبراءة نزلت لرفع الأمان . وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه سورة أو آية قال : " اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا " وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أين نضعها ، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال لأن فيها ذكر العهود وفي براءة نبذ العهود ، فلذلك قرنت بينهما وكانتا تدعيان القرينتين وتعدان السابعة من الطوال وهي سبع . وقيل : اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال ، وقال بعضهم : هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان ، وتركت بسم الله لقول من قال هما سورة واحدة .

{ بَرَاءةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة { مّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مّنَ المشركين } من لابتداء الغاية متعلق بمحذوف ، وليس بصلة كما في قولك « برئت من الذين »أي هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم كما تقول «كتاب من فلان إلى فلان » ، أو مبتدأ لتخصيصها بصفتها والخبر { إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ } كقولك «رجل من بني تميم في الدار » والمعنى أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وأنه منبوذ إليهم