البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

من { يعبد الله } نزلت في أعراب من أسلم وغطفان تباطؤوا عن الإسلام وقالوا : نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤونا .

وقيل : في أعراب لا يقين لهم يسلم أحدهم فيتفق تثمير ماله وولادة ذكر وغير ذلك من الخير ، فيقول : هذا دين جيد أو ينعكس حاله فيتشاءم ويرتد كما جرى للعرنيين قال معناه ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم .

وعن ابن عباس : في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلما أوحى إليه ارتد .

وقيل : " في يهودي أسلم فأصيب فتشاءم بالإسلام ، وسأل الرسول إلا قاله فقال : «إن الإسلام لا يقال » " فنزلت .

وعن الحس : هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه .

وقال ابن عيسى : على ضعف يقين .

وقال أبو عبيد { على حرف } على شك .

وقال ابن عطية { حرف } على انحراف منه عن العقيدة البيضاء ، أو على شفا منها معداً للزهوق .

وقال الزمخشري { على حرف } على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه ، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة كالذي يكون على طرف من العسكر ، فإن أحسن بظفر وغنيمة قرّ واطمأنّ وإلاّ فرّ وطار على وجهه انتهى .

وخسرانه الدنيا إصابته فيها بما يسوؤه من ذهاب ماله وفقد أحبائه فلم يسلم للقضاء .

وخسران الآخرة حيث حرم ثواب من صبر فارتد عن الإسلام .

وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن من طريق الزعفراني وقعنب والجحدري وابن مقسم خاسر الدنيا اسم فاعل نصباً على الحل .

وقرىء خاسر اسم فاعل مرفوعاً على تقدير وهو خاسر .

وقال الزمخشري : والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع الضمير وهو وجه حسن انتهى .

وقرأ الجمهور : { خسر } فعلاً ماضياً وهو استئناف إخبار ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ولا يحتاج إلى إضمار قد لأنه كثر وقوع الماضي حالاً في لسان العرب بغير قد فساغ القياس عليه ، وأجاز أبو الفضل الرازي أن يكون بدلاً من قوله { انقلب على وجهه } كما كان يضاعف بدلاً من يلق .