الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

ثم قال تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } .

هذه الآية نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين من باديتهم ، فإذا نالوا رخاء من عيش بعد الهجرة وبعد الدخول في الإسلام أقاموا على الإسلام ، وإن نالوا بعد ذلك شدة وضيق عيش أو موت ماشية ونحوه ، ارتدوا على أعقابهم . فالمعنى : ومن الناس من يعبد الله على شك ، فإن أصابه خير – وهو السعة من العيش اطمأن به : أي استقر{[46650]} بالإسلام ، وثبت عليه ، وإن أصابته فتنة ، وهو الضيق في العيش وشبهه انقلب على وجهه أي : رجع إلى الذي كان عليه من الكفر بالله .

قال ابن عباس{[46651]} : ( كان أحدهم إذا قدم المدينة ، فإن صح جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولت امرأته غلاما ، رضي به واطمأن إليه . وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا ، وإن أصابه رجع وولدت امرأته جارية ، وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت مذ كنت على دينك هذا إلا شرا ، فذلك الفتنة ) .

وقال مجاهد{[46652]} : { على حرف } : على شك .

قال ابن جريج{[46653]} : كان ناس من قبائل العرب ومن حولهم من أهل{[46654]} القرى يقولون : نأتي محمد عليه السلام ، فإن صادفنا خيرا من معيشة الرزق ثبتنا ، وإلا لحقنا بأهلنا .

وبهذا القول قال{[46655]} : قتادة والضحاك .

قيل : هم المنافقون ، كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مستعليا على أعدائه في أمن وخصب ، أظهروا التصديق به ، وتصويب دينه ، وصَلُّوا معه وصاموا ، وهم مع ذلك على غير بصيرة فيما هم عليه ، فإذا أصابته{[46656]} فتنة من خوف أو تشديد في العبادة والأمر بالجهاد ، انقلب عما كان يظهر من الإيمان والصوم والصلاة ، فأظهر الكفر والبراءة من دين الله ، فانقلب على وجهه خاسرا دنياه وأخراه .

وقال ابن زيد{[46657]} : ( هي في المنافقين{[46658]} ، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة ، وإن فسدت عليه{[46659]} دنياه وتغيرت ، انقلب{[46660]} فلا يقيم العبادة إلا لما صلح من دنياه ، فإذا أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ، ترك دينه ، ورجع إلى الكفر . وهذا التفسير كله يدل على أن السورة مدنية . ومن قال : إنها مكية ، قال : نزلت في شيبة بن ربيعة ، كان أسلم ثم ارتد{[46661]} .

وقيل : نزلت في النضر بن الحارث .

وتقدير الكلام : ومن الناس من يعبد الله على حرف الدين ، أي : على طرفه{[46662]} لا يدخل فيه/ ويتمكن{[46663]} .

ومعنى : { انقلب على وجهه } [ أي : انقلب ]{[46664]} عن{[46665]} دينه . { خسر الدنيا والآخرة } أي : خسر دنياه لأنه لم يظفر بحاجته منها . وقيل معناه : أنه خسر حظه في الغنيمة ، لأنه{[46666]} لا حظ لكافر{[46667]} فيها . وخسر الآخرة لما له فيها من العذاب ، ولأنه خاسر الثواب .

ثم قال تعالى : { ذلك هو الخسران المبين }[ 11 ] .

أي : خسران الدنيا والآخرة . ذلك هو الخسران المبين ، أي يبين لمن تفكر فيه وتدبر{[46668]} .


[46650]:ز: استغرق.
[46651]:انظر: جامع البيان 17/122، وابن كثير 3/209، والدر المنثور 4/346.
[46652]:انظر: جامع البيان 17/123، وزاد المسير 5/411، وتفسير القرطبي 12/17.
[46653]:انظر: جامع البيان 17/123.
[46654]:أهل سقطت من ز.
[46655]:ز: وهذا القول قاله.
[46656]:ز: أصابتهم.
[46657]:انظر: جامع البيان 17/123 وتفسير القرطبي 12/17 وابن كثير 3/209.
[46658]:ز: المنافق.
[46659]:ز: له.
[46660]:انقلب سقطت من ز.
[46661]:القول لابن عباس في تفسير القرطبي 12/17.
[46662]:ز: طرف الدين.
[46663]:ز: ولا يتمكن.
[46664]:زيادة من ز.
[46665]:ز: على.
[46666]:ز: إذ.
[46667]:ز: للكافر.
[46668]:ز: تدبره.