ثم قال تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } .
هذه الآية نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين من باديتهم ، فإذا نالوا رخاء من عيش بعد الهجرة وبعد الدخول في الإسلام أقاموا على الإسلام ، وإن نالوا بعد ذلك شدة وضيق عيش أو موت ماشية ونحوه ، ارتدوا على أعقابهم . فالمعنى : ومن الناس من يعبد الله على شك ، فإن أصابه خير – وهو السعة من العيش اطمأن به : أي استقر{[46650]} بالإسلام ، وثبت عليه ، وإن أصابته فتنة ، وهو الضيق في العيش وشبهه انقلب على وجهه أي : رجع إلى الذي كان عليه من الكفر بالله .
قال ابن عباس{[46651]} : ( كان أحدهم إذا قدم المدينة ، فإن صح جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولت امرأته غلاما ، رضي به واطمأن إليه . وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا ، وإن أصابه رجع وولدت امرأته جارية ، وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت مذ كنت على دينك هذا إلا شرا ، فذلك الفتنة ) .
وقال مجاهد{[46652]} : { على حرف } : على شك .
قال ابن جريج{[46653]} : كان ناس من قبائل العرب ومن حولهم من أهل{[46654]} القرى يقولون : نأتي محمد عليه السلام ، فإن صادفنا خيرا من معيشة الرزق ثبتنا ، وإلا لحقنا بأهلنا .
وبهذا القول قال{[46655]} : قتادة والضحاك .
قيل : هم المنافقون ، كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مستعليا على أعدائه في أمن وخصب ، أظهروا التصديق به ، وتصويب دينه ، وصَلُّوا معه وصاموا ، وهم مع ذلك على غير بصيرة فيما هم عليه ، فإذا أصابته{[46656]} فتنة من خوف أو تشديد في العبادة والأمر بالجهاد ، انقلب عما كان يظهر من الإيمان والصوم والصلاة ، فأظهر الكفر والبراءة من دين الله ، فانقلب على وجهه خاسرا دنياه وأخراه .
وقال ابن زيد{[46657]} : ( هي في المنافقين{[46658]} ، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة ، وإن فسدت عليه{[46659]} دنياه وتغيرت ، انقلب{[46660]} فلا يقيم العبادة إلا لما صلح من دنياه ، فإذا أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ، ترك دينه ، ورجع إلى الكفر . وهذا التفسير كله يدل على أن السورة مدنية . ومن قال : إنها مكية ، قال : نزلت في شيبة بن ربيعة ، كان أسلم ثم ارتد{[46661]} .
وقيل : نزلت في النضر بن الحارث .
وتقدير الكلام : ومن الناس من يعبد الله على حرف الدين ، أي : على طرفه{[46662]} لا يدخل فيه/ ويتمكن{[46663]} .
ومعنى : { انقلب على وجهه } [ أي : انقلب ]{[46664]} عن{[46665]} دينه . { خسر الدنيا والآخرة } أي : خسر دنياه لأنه لم يظفر بحاجته منها . وقيل معناه : أنه خسر حظه في الغنيمة ، لأنه{[46666]} لا حظ لكافر{[46667]} فيها . وخسر الآخرة لما له فيها من العذاب ، ولأنه خاسر الثواب .
ثم قال تعالى : { ذلك هو الخسران المبين }[ 11 ] .
أي : خسران الدنيا والآخرة . ذلك هو الخسران المبين ، أي يبين لمن تفكر فيه وتدبر{[46668]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.