الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

أخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال : هذا دين صالح ؛ وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله ، قال : هذا دين سوء .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، قالوا : إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به ؛ وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط ، قالوا : ما في ديننا هذا خير . فأنزل الله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : كان أحدهم إذا قدم المدينة - وهي أرض وبيئة - فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً ، رضي به واطمأن إليه وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً ؛ وإن رجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً . وذلك الفتنة .

وأخرج ابن مردويه من طريق عطية ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «أقلني . فقال : إن الإسلام لا يقال . فقال : لم أصب في ديني هذا خيراً . ذهب بصري ومالي ومات ولدي . . . ! فقال : يا يهودي ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة » ونزلت : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : على شك . وفي قوله { فإن أصابه خير } قال : رخاء وعافية { اطمأن به } قال : استقر { وإن أصابته فتنة } قال : عذاب ومصيبة { انقلب على وجهه } قال : ارتد على وجهه كافراً .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : كان الرجل يأتي المدينة مهاجراً ، فإن صح جسمه وتتابعت عليه الصدقة وولدت امرأته غلاماً وأنتجت فرسه مهراً ، قال : والله لنعم الدين وجدت دين محمد صلى الله عليه وسلم هذا ، ما زلت أعرف الزيادة في جسدي وولدي ؛ وإن سقم بها جسمه واحتبست عليه الصدقة وأزلقت فرسه وأصابته الحاجة وولدت امرأته الجارية ، قال : والله لبئس الدين دين محمد هذا ، والله ما زلت أعرف النقصان في جسدي وأهلي وولدي ومالي .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : على شك { فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه } يقول : إن أصاب خصباً وسلوة من عيش وما يشتهي ، اطمأن إليه وقال : أنا على حق وأنا أعرف الذي أنا عليه { وإن أصابته فتنة } أي بلاء { انقلب على وجهه } يقول : ترك ما كان عليه من الحق فأنكر معرفته ، خسر الدنيا والآخرة . يقول : خسر دنياه التي كان لها يحزن وبها يفرح ولها يسخط ولها يرضى ، وهي همه وسدمه وطلبته ونيته ، ثم أفضى إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها خيراً { فذلك هو الخسران المبين } .