النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

قوله عز وجل : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : يعني على وشك وهو قول مجاهد ، لكونه منحرفاً بين الإِيمان والكفر .

والثاني : على شرط ، وهو قول ابن كامل .

والثالث : على ضعف في العبادة كالقيام على حرف ، وهو قول علي بن عيسى .

ويحتمل عندي تأويلاً رابعاً : أنّ حرف الشيء بعضه ، فكأنه يعبد الله بلسانه ويعصيه بقلبه .

{ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } وهذا قول الحسن{[2007]} .

الثاني : أن ذلك نزل في بعض قبائل العرب وفيمن حول المدينة من أهل القرى ، كانوا يقولون : نأتي محمداً فإن صادفنا خيراً اتبعناه ، وإلا لحقنا بأهلنا ، وهذا قول ابن جريج ، فأنزل الله تعالى : { فإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطْمَأنَّ بِهِ } .

ويحتمل وجهين آخرين :

أحدهما : اطمأن بالخير إلى إيمانه .

الثاني : اطمأنت نفسه إلى مقامه .

{ وَإِن أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي محنة في نفسه أو ولده أو ماله .

{ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } يحتمل عندي وجهين :

أحدهما : رجع عن دينه مرتداً .

الثاني : رجع إلى قومه فزعاً .

{ خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة } خسر الدنيا بفراقه ، وخسر الآخرة بنفاقه .

{ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانِ الْمُبِينُ } أي البيِّن لفساد عاجله وذَهَاب آجله .


[2007]:هكذا في الأصل ولم يذكر قول الحسن. وفي تفسير القرطبي: وقال الحسن: هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه.