الآية 11 : وقوله تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال بعضهم : { يعبد الله على حرف } أي على شك ، يمتحن ربه على أنه [ أن ] {[12918]} أعطاه طعمه وأمله في هذه الدنيا حقق [ له الألوهية والعبادة ، وإن لم يجد طمعه وأمله لا يحقق ] {[12919]} له ذلك ، ويقل{[12920]} : ليس هو بإله ؛ إذ لو كان إلها لأعطاه ما يطلب منه . على هذا الشك يعبد بالامتحان .
وقال بعضهم : { على حرف } أي على شرط الإعطاء . يقول : إن أعطاني أملي عبدته ، وإن لم يعطني ذلك لم أعبده ، تكون عبادته على هذا الشرط .
وقال بعضهم : { على حرف } أي على حال واحدة ، على جهة واحدة ، ليس يعبده على حالين : كالمؤمن يعبده في حالين جميعا حالة الظاهر وحالة الباطن وحالة الضراء والسراء وحالة السعة والشدة على ما تعبده الله كقوله : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } [ الأعراف : 168 ] ونحوه .
عبده المؤمن على الحالين جميعا على ما تعبده الله . والمنافق إنما يعبده على حالة السعة والخصب لأنه ليس يعرف ربه حق المعرفة ، فإنما يعبد السعة والرخاء .
وأما المؤمن فقد{[12921]} عرف ربه ، وعبده{[12922]} في الأحوال كلها لما عرف نفسه عبدا لسيده ، ولم ير للعبد سعة ترك العبادة لمولاه في كل حال ، ورأى للمعبود حق استعباده واستخدامه في كل حال : في حال الضيق وحال السعة . أو [ لأن يكون رأى ما ] {[12923]} يصيبه من الشدائد والبلايا بتقصير كان منه وتفريط ، فعبده{[12924]} في الأحوال كلها ، أو لما رأى ، وعرف نِعَمَ ربه عليه كثيرة ، ورأى شكر تلك النعم عليه لازما ، فعبده في الأحوال كلها شكرا لتلك النعم .
وأما أولئك ، لم يروا لله على أنفسهم نعما ، فإنما عبدوه على الجهة التي ذكرنا : [ كان الكفرة فرقا أيضا : منهم ] {[12925]} من يعبد الله في حال الشدة والضيق ، ولا يعبده في حال السعة والرخاء كقوله : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } [ الإسراء : 67 ] ونحوه .
ومنهم من كان يعبده في حال السعة والرخاء ، وهو ما ذكرنا من أمر المنافق .
وأما المؤمن فهو يعبده في الأحوال كلها لما رآه معبودا حقيقة على ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { وإن أصابته فتنة } قد ذكرنا أن الفتنة هي التي فيها بلاء وشدة .
وقوله تعالى : { انقلب على وجهين } قال{[12926]} بعضهم : هو على التمثيل على ما ذكرنا في قوله : { نكص على عقبيه } [ الأنفال : 48 ] وقوله : { انقلبتم على أعقابكم } [ آل عمران : 144 ] وقال بعضهم : على تحقيق انقلاب وجهه ، لأنه كانت{[12927]} عبادته ظاهرة ، لم يكن يعبده في الباطن في حال السعة . فلما أصابته الشدة ترك عبادته الظاهرة ، وانقلب على ما كان باطنه ، فهذا{[12928]} انقلاب وجهه ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { خسر الدنيا والآخرة تلك هو الخسران المبين } أما خسران الدنيا فلأنه{[12929]} فات عنه ما كان يأمله بزوالها ، وخسران الآخرة ظاهره{[12930]} العذاب والشدائد .
وجائز أن يكون خسران الدنيا ، هو خضوعه لمن لا يضر ولا ينفع للعبادة للأصنام .
[ وقوله تعالى ] {[12931]} : { ذلك هو الخسران المبين } لأنه خسر في الدارين جميعا أمله وطعمه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.