تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

الآية 11 : وقوله تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال بعضهم : { يعبد الله على حرف } أي على شك ، يمتحن ربه على أنه [ أن ] {[12918]} أعطاه طعمه وأمله في هذه الدنيا حقق [ له الألوهية والعبادة ، وإن لم يجد طمعه وأمله لا يحقق ] {[12919]} له ذلك ، ويقل{[12920]} : ليس هو بإله ؛ إذ لو كان إلها لأعطاه ما يطلب منه . على هذا الشك يعبد بالامتحان .

وقال بعضهم : { على حرف } أي على شرط الإعطاء . يقول : إن أعطاني أملي عبدته ، وإن لم يعطني ذلك لم أعبده ، تكون عبادته على هذا الشرط .

وقال بعضهم : { على حرف } أي على حال واحدة ، على جهة واحدة ، ليس يعبده على حالين : كالمؤمن يعبده في حالين جميعا حالة الظاهر وحالة الباطن وحالة الضراء والسراء وحالة السعة والشدة على ما تعبده الله كقوله : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } [ الأعراف : 168 ] ونحوه .

عبده المؤمن على الحالين جميعا على ما تعبده الله . والمنافق إنما يعبده على حالة السعة والخصب لأنه ليس يعرف ربه حق المعرفة ، فإنما يعبد السعة والرخاء .

وأما المؤمن فقد{[12921]} عرف ربه ، وعبده{[12922]} في الأحوال كلها لما عرف نفسه عبدا لسيده ، ولم ير للعبد سعة ترك العبادة لمولاه في كل حال ، ورأى للمعبود حق استعباده واستخدامه في كل حال : في حال الضيق وحال السعة . أو [ لأن يكون رأى ما ] {[12923]} يصيبه من الشدائد والبلايا بتقصير كان منه وتفريط ، فعبده{[12924]} في الأحوال كلها ، أو لما رأى ، وعرف نِعَمَ ربه عليه كثيرة ، ورأى شكر تلك النعم عليه لازما ، فعبده في الأحوال كلها شكرا لتلك النعم .

وأما أولئك ، لم يروا لله على أنفسهم نعما ، فإنما عبدوه على الجهة التي ذكرنا : [ كان الكفرة فرقا أيضا : منهم ] {[12925]} من يعبد الله في حال الشدة والضيق ، ولا يعبده في حال السعة والرخاء كقوله : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } [ الإسراء : 67 ] ونحوه .

ومنهم من كان يعبده في حال السعة والرخاء ، وهو ما ذكرنا من أمر المنافق .

وأما المؤمن فهو يعبده في الأحوال كلها لما رآه معبودا حقيقة على ما ذكرنا .

وقوله تعالى : { وإن أصابته فتنة } قد ذكرنا أن الفتنة هي التي فيها بلاء وشدة .

وقوله تعالى : { انقلب على وجهين } قال{[12926]} بعضهم : هو على التمثيل على ما ذكرنا في قوله : { نكص على عقبيه } [ الأنفال : 48 ] وقوله : { انقلبتم على أعقابكم } [ آل عمران : 144 ] وقال بعضهم : على تحقيق انقلاب وجهه ، لأنه كانت{[12927]} عبادته ظاهرة ، لم يكن يعبده في الباطن في حال السعة . فلما أصابته الشدة ترك عبادته الظاهرة ، وانقلب على ما كان باطنه ، فهذا{[12928]} انقلاب وجهه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { خسر الدنيا والآخرة تلك هو الخسران المبين } أما خسران الدنيا فلأنه{[12929]} فات عنه ما كان يأمله بزوالها ، وخسران الآخرة ظاهره{[12930]} العذاب والشدائد .

وجائز أن يكون خسران الدنيا ، هو خضوعه لمن لا يضر ولا ينفع للعبادة للأصنام .

[ وقوله تعالى ] {[12931]} : { ذلك هو الخسران المبين } لأنه خسر في الدارين جميعا أمله وطعمه ، والله أعلم .


[12918]:من م، ساقطة من الأصل.
[12919]:من م، ساقطة من الأصل.
[12920]:في الأصل و م: ويقول.
[12921]:في الأصل و م: فإذا.
[12922]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[12923]:في الأصل و م: أن يكون أي بما.
[12924]:في الأصل و م: وعبدوه.
[12925]:في الأصل و م: كانوا فرقا من الكفرة.
[12926]:في الأصل و م: وقال.
[12927]:في الأصل و م: كان.
[12928]:في الأصل و م:فهو.
[12929]:في الأصل و م: لأنه.
[12930]:في الأصل و م: ظاهر.
[12931]:ساقطة من الأصل و م.