{ أفرأيت من اتخذ إلهه } : أي أخبرني عمن اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه .
{ وأضله الله على علم } : أي على علم من الله تعالى بأنه أهل للإِضلال وعدم الهداية .
{ وجعل على بصره غشاوة } : أي ظلمة على عينيه فلا يبصر الآيات والدلائل .
{ أفلا تذكرون } : أي أفلا تتذكرون أيها الناس فتتعظون .
وقوله تعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولا إلا قاله ، ولا عملا إلا عمله ولا اعتقاداً إلا اعتقده ضارباً بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت إليهما ولا يستمع إلى ندائهما . وقوله تعالى { وأضله الله على علم } أي منه تعالى حيث في علمه أن هذا الإنسان لا يهتدي ولو جاءته كل آية فكتب ذلك عليه فهو كائن لا محالة ، وقوله { وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة } أي وختم تعالى على سمعه حسب سنته في ذلك فأصبح لا يسمع الهدى ولا الحق كأنه أصم لا يسمع ، وأصبح لا يعقل معاني ما يسمع وما يقال له كأنه لا قلب له ، وأصبح لما على بصره من ظلمة لا يرى الأدلة ولا العلامات الهادية إلى الحق والى الطريق المستقيم المفضي بسالكه إلى النجاة من النار ودخول الجنة ، وقوله تعالى : { فمن يهديه من بعد الله } وقد أضله الله ، والجواب لا أحد .
كقوله تعالى من سورة النحل { إن الله لا يهدى من يضل } أي من أضله الله تعالى حسب سنته في الإِضلال وهي أن يدعى العبد إلى أحد بعد أن أضله الله تعالى .
وقوله تعالى : { أفلا تذكرون } أي أفلا تذكرون فتتعظون أيها الناس فتؤمنوا وتوحدوا وتعملوا الصالحات فتكملوا وتسعدوا في الدنيا وتنجوا من النار وتدخلوا الجنة في الآخرة .
- التنديد بالهوى والتحذير من اتباعه فقد يفضي بالعبد الى ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فيصبح معبوده هواه لا الرب تعالى مولاه .
- التحذير من ارتكاب سنن الضلال المفضي بالعبد إلى الضلال الذي لا هداية معه .
قوله : { أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه } الهوى ، بالألف المقصورة معناه العشق ، وهو يكون في الخير والشر وإرادة النفس{[4189]} .
وبذلك فإن الهوى إحساس عميق يستشري في صميم الكينونة البشرية ، ويترسخ في صميم الجهاز النفسي لدى الإنسان . وأيما إنسان فإنه يهوى ، أي يعشق ويحب ويتمنى العديد من الأماني على اختلافها . وإذا ما تمنى الإنسان لنفسه فعل الخيرات والطاعات كان هواه طيبا صالحا . وإذا تمنى فعل الموبقات والمعاصي مما تستطيبه وتتلذذ به نفسه الجانحة الضالة كان هواه مغويا مرديا ، بل إن هواه حينئذ شيطان غويّ مضل مبين .
وللعلماء في المراد بهذه الآية أقوال ، فقد قال ابن عباس : المراد به الكافر قد اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه . وقال سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر . وقال ابن عباس أيضا : ما ذكر الهوى في القرآن إلا ذمه . واختار ابن جرير أن المعنى هو : أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه فيعبد ما هوى من شيء دون إله الحق الذي له الألوهة من كل شيء .
وجملة ذلك : أن الهوى يستميل الإنسان ليجنح للشهوات وما تعشقه نفسه من المفاسد والشرور والآثام وغير ذلك من المحظورات والأباطيل . والإنسان في غالب أمره جانح للهوى ، سارب خلف ما تشتهيه النفس ويميل إليه الطبع . ولا يستثنى من ذلك إلا من رحم الله فهداه ، وخوّله التوفيق والسداد والاستقامة ومجانبة الهوى المردي .
وليت شعري هل تفيض الحياة الدنيا بالمعضلات والبلايا والأرزاء النفسية والاجتماعية والشخصية والسياسية والاقتصادية إلا بضلال الإنسان وظلمه لأخيه الإنسان بغية الشهوات الضالة العمياء . أو ليس سبب ذلك كله اتباع الهوى أو عبادته من دون الله ، فإن اتباع الهوى بغير حق ، والإفراط في طاعته والانقياد خلفه من غير قيد ولا تورع ولا ضوابط ، لهو صورة من صور العبادة لغير الله . ولا جرم أن ذلك ضلال وغواية وتجاوز يفضي إلى الشقاء والتعس في الدنيا حيث الظلم والطمع والبطر والطغيان والجور والهموم والمكابدة . وكذلك في الآخرة ، إذ يصير الظالم الخاسر ، الذي اتخذ إلهه هواه إلى جهنم .
إن ما تتجرعه البشرية في هذا الزمان وكل زمان من كؤوس المرارة والشقاء والهوان ، كان سببه عبادة الإنسان لهواه ، وجنوحه للشهوات ، والمنافع الذاتية . وهي منافع في إسفافها وخساستها دائمة التغير والتبدل تبعا لاختلاف الأهواء وتبدلها . فما كان هذا الإنسان الضال بذلك إلا عابدا لهواه أو متخذا إلهه هواه .
وقد ندد النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الهوى ، لأنه يودي بصاحبه إلى الخسران والهاوية . قال عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " وقال أبو أمامة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى " وقال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث مهلكات وثلاث منجّيات . فالمهلكات : شحّ مطاع وهوى متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه . والمنجيات : خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب " .
قوله : { وأضله الله على علم } أي خذله الله عن المحجة البيضاء وعن سبيل الحق المستقيم في سابق علمه . إذ يعلم الله أنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية { وختم على سمعه وقلبه } أي طبع الله على سمعه فلا يسمع المواعظ أو العبر ولا يتفكر أو يتدبر . وكذلك طبع على قلبه فلا يعي به حقا أو يقينا { وجعل على بصره غشاوة } فلا يرى الآيات والدلائل على وحدانية الخالق ، وعلى أنه الصانع الموجد الحكيم .
قوله : { أفلا تذكّرون } أفلا تتدبرون وتتعظون فتعلموا أن من خذله الله بالختم على سمعه وقلبه وبما جعل على بصره من الغشاوة فليس من أحد بعد الله يهديه{[4190]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.