المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنفال نزلت بالمدينة ، وهي تشتمل على خمس وسبعين آية ، وقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بعض أحكام القتال ، والبواعث عليه ، وأسباب النصر ، ومقام القوة المعنوية في الانتصار ، وأحكام غنائم الحرب ، ومتى يكون الأسر ، واجتمع فيها الحكم الشرعي بحكمته ، وهي تذكر قصة غزوة بدر ، وبعض ما كان قبلها ، وما جاء في أعقابها من الإشارة إلى سببها ؛ وهو إخراج المشركين للنبي من مكة . ويذكر سبحانه فيها الاستعداد للحرب ، ووجوب السلم إن جنحوا لها . وتختم السورة الكريمة ببيان ولاية المؤمنين بعضهم لبعض ، ووجوب هجرة المؤمنين من أرض يستذلون فيها ليجاهدوا مع أوليائهم من المؤمنين في سبيل عزة الإسلام وعزتهم .

1- أُخرج النبي من مكة مهاجراً بسبب مكر المشركين وتدبيرهم أمر قتله ، وليكون للمسلمين دولة ، واستقر بالمدينة حيث النصرة ، وكان لا بد من الجهاد لدفع الاعتداء ، لكيلا يُفتَنَ أهل الإيمان ، فكانت غزوة بدر الكبرى ، وكان فيها النصر المبين والغنائم ، وكان وراء الغنائم بعض الاختلاف والتساؤل في توزيعها . يسألونك عن الغنائم : ما مآلها ؟ ولمن تكون ؟ وكيف تقسم ؟ فقل لهم - أيها النبي - : إنها لله والرسول ابتداء ، والرسول بأمر ربه يتولى تقسيمها ، فاتركوا الاختلاف بشأنها ، واجعلوا خوف الله وطاعته شعاركم ، وأصْلحوا ما بينكم ، فاجعلوا الصِّلاتِ بينكم محبة وعدلا ، فإن هذه صفة أهل الإيمان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يسألونك عن الأنفال } أي الغنائم يعني حكمها ، وإنما سميت الغنيمة نفلا لأنها عطية من الله وفضل كما سمي به ما يشرطه الأمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه . { قل الأنفال لله والرسول } أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره الله به . وسبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم ومن يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار . وقيل شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غناء أن ينفله ، فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم -وكان المال قليلا- فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات : كنا ردءاً لكم وفئة تنحازون إلينا ، فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ، ولهذا قيل : لا يلزم الإمام أن يفي بما وعد وهو قول الشافعي رضي الله عنه ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال : لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوهبته منه فقال : ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته ، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه . وقرئ " ويسألونك علنفال " بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام وإدغام نون عن فيها ، ويسألونك الأنفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم . { فاتقوا الله } في الاختلاف والمشاجرة . { وأصلحوا ذات بينكم } الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول . { وأطيعوا الله ورسوله } فيه . { إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان يقتضي ذلك ، أو إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة : طاعة الأوامر ، والاتقاء عن المعاصي ، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان .