السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنفال

مدنية ، وقيل : إلا { وإذ يمكر بك الذين كفروا } الآيات السبع فمكية ، وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية ، وألف وخمس وسبعون كلمة ، وخمسة آلاف وثمانون حرفاً .

{ بسم الله } الذي له العظمة الظاهرة والحكمة الباهرة { الرحمن } الذي عم جميع خلقه بنعمه المتواترة { الرحيم } الذي خص من أراد من عباده بما يرضيه فكان حامده وشاكره .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يسألونك } يا أشرف الخلق يا محمد { عن الأنفال } أي : الغنائم لمن هي ؟ وكيف مصرفها ؟ وإنما سميت الغنيمة نفلاً ؛ لأنها عطية من الله تعالى وفضل منه كما يسمى به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه { قل } يا محمد لهم { الأنفال لله والرسول } يجعلانها حيث شاءا وأكثر المفسرين أن سبب نزولها اختلاف المسلمين في غنائم بدر كيف تقسم ؟ فقال الشبان : هي لنا ؛ لأنا باشرنا القتال ، وقال الشيوخ : كنا ردأً لكم ولو انكشفتم لفئتم إلينا ، فنزلت ، وقيل : شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غنا وهو بفتح الغين المعجمة والمد النفع أن ينفله فسار شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ، ثم طلبوا نفلهم ، وكان المال قليلاً ، فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات : كنا ردأ أي : عوناً لكم وفئة تنحازون إلينا ، فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ، رواه الحاكم في المستدرك ، وعن عبادة بن الصامت : نزلت فينا معاشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء ، وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإصلاح ذات البين ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إنه قال : لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير ، وقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه ، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوهبته منه فقال : هذا ليس لي ولا لك اطرحه في القبض ، وهو بفتحتين : ما قبض من الغنائم فطرحته ، وبي ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي ، فما جاوزت إلا قليلاً حتى نزلت سورة الأنفال ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي اذهب فخذه ) وقيل : إنها نزلت فيما يصل من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع ، فهو للنبيّ صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء .

واختلفوا هل هذه الآية منسوخة أو لا ؟ فقال مجاهد وعكرمة : هي منسوخة بقوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه وللرسول } ( الأنفال ، 41 ) الآية فكانت الغنائم يومئذٍ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فنسخها الله تعالى بالخمس ، وقال بعضهم : هي ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حراماً على الأمم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم ، وأباحها الله تعالى بهذه الآية لهذه الأمة ، وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا ، ثم نسخت بآية الخمس ، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال لله وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى ، وقد بيّن الله تعالى مصارفها في قوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه } الآية .

فإن قيل : ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول ؟ أجيب : بأنّ معناه أن حكم الغنيمة مختص بالله ورسوله بأمر الله يقسمها على ما تقتضيه حكمته ، ويمتثل الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى فيها وليس الأمر في قسمها مفوّضاً إلى رأي أحد { فاتقوا الله } بطاعته ، واتركوا مخالفته واتركوا المخاصمة والمنازعة في الغنائم { وأصلحوا ذات بينكم } أي : وأصلحوا الحال فيما بينكم بالمودّة وترك النزاع وتسليم أمر الغنائم إلى الله ورسوله { وأطيعوا الله ورسوله } فيما يأمركم به وينهاكم عنه { إن كنتم مؤمنين } حقاً ، فإنّ الإيمان يقتضي ذلك .