سورة الإسراء مكية ، آياتها إحدى عشرة ومائة آية ، وقال بعضهم : إن فيها ثماني آيات أو اثنتي عشرة آية مدنية .
ابتدأت السورة بتسبيح الله تعالى ، ثم ذكرت الإسراء ، ثم رسالة موسى وما كان من بني إسرائيل . ثم أشارت إلى منزلة القرآن الكريم في الهداية ، وإلى الآيات الكونية في الليل والنهار ، وما يكون للناس يوم القيامة من جزاء على ما يقدمون من أعمال في الدنيا .
بعد هذا بين الله أسباب فساد الأمم ، وحال الأفراد في مساعيهم ، ونتائج أعمالهم في الآخرة . وجاءت الآيات من بعد ذلك بإكرام الوالدين ، وحال الناس بالنسبة لأموالهم ، وجاءت بأوامر عشرة ، فيها بناء المجتمع الفاضل .
ثم رد سبحانه مفتريات المشركين بالنسبة للملائكة ، وبيّن تصريف الحج .
ثم أشار سبحانه إلى ما يستحق من تحميد ، وإلى جحود المشركين ، وشرح أصل الخليقة الإنسانية والشيطانية ، وهدد المشركين بآياته .
كذلك بيّن الكرامة الإنسانية ، وذكّر بعذاب يوم القيامة ، ثم ذكر محاولة المشركين صرف النبي عليه الصلاة والسلام عن دعوته ، وتثبيت الله تعالى له .
وقد أوصى الله نبيه الكريم بعدة وصايا وأدعية ، ثم أشار إلى منزلة القرآن الكريم ، وتكلم عن الروح وأسرارها ، ثم جاء على ذكر إعجاز القرآن ، وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بمثله ، وموقف الناس منه ، وحال المؤمنين الصادقين في إيمانهم .
والعنصر البارز في كيان السورة ، ومحور موضوعاتها الأصيل ، هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ، وموقف قومه في مكة ، والقرآن الذي جاء به ، وطبيعة هذا القرآن ، وما يهدي إليه . وبهذه المناسبة تم الاستطراد إلى طبيعة الرسالة والرسل ، وإلى امتياز الرسالة المحمدية بطابع غير الخوارق الحسية ، وما يتبعها من هلاك المكذبين بها ، وإلى تقرير التبعية الفردية في الهدى والضلال ، والتبعية الجماعية في السلوك العملي في محيط المجتمع . . . كل ذلك بعد أن يعذر الله سبحانه الناس ، فيرسل إليهم الرسل بالتبشير والتحذير والبيان والتفصيل { وكل شيء فصّلناه تفصيلا } .
وتنتهي السورة بالحديث عن القرآن ، والحق الأصيل فيه ، أنزله الله مفرقا ليقرأه الرسول على القوم على مهل وروية ، بمناسبته ومقتضياته ، فيتلقاه أهل العلم بالخضوع أو التأثر إلى حد البكاء والسجود . ويختم السورة بحمد الله الذي لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، كما بدأها بتسبيحه وتنزيهه .
سبحان الله : تنزيها له عن كل ما لا يليق بجلاله .
المسجد الأقصى : الحرم في بيت المقدس ، وهو أقصى ، أي بعيد بالنظر إلى الحجاز .
تنزيها لله الذي أسرى بعبده محمد في جزء من الليل ، ومن المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس ، ذلك المسجد الذي جعلنا البركة فيه وحوله لسكّانه في معايشهم وقواتهم ، لنُري عبدنا محمدا من أدلتنا ما فيه البرهان الكافي والدليل الساطع على وحدانيتنا وعظم قدرنا . إن الله الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة ، البصير بما يفعلون .
كان حادث الإسراء في ليلة 27 من رجب قبل الهجرة بسنة واحدة ، وقد حصل الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالجسد والروح فعلا ، ولو كان الإسراء بالروح فقط لما كان في ذلك شيء من العجب ، ولما قامت ضجة قريش ، وبادروا إلى تكذيبه .
فالرواية تقول إن الرسول الكريم كان نائما في بيت ابنة عمه أم هانئ ، فأُسري به ورجع من ليلته وقص القصة على أم هانئ ، ثم قام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه ، فقال لها : مالك ؟ قالت : أخشى أن يكذّبك قومك إن أخبرتهم : قال : وإن كذّبوني . فخرج فجلس إليه أبو جهل ، فأخبره رسول الله بحديث الإسراء ، فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي ، هلُم . فحدّثهم . فاستنكر القوم ذلك ، فمن مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وإنكارا . وارتد ناس من المسلمين . وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه قال : أوَ قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فأنا أشهد لئن قال ذلك لقد صدق . قالوا : فتصدّقه في أن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، أنا أصدقه بأبعدَ من ذلك ، أصدقه بخبر السماء . فسُمّيَ الصدّيق . وكان منهم من سافر إلى بيت المقدس ، فطلبوا إليه وصف بيت المقدس فوصفه لهم وصفا دقيقا ، فقالوا أخبرْنا عن عِيرنا ، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ، وقال : تَقْدُم يوم كذا ، فكان كما قال . وفي الليلة ذاتها كان العروج إلى السماء من بيت المقدس .
بيت المقدس بناه العرب الكنعانيون ، واليبوسيون منهم ، على جبل صهيون نحو سنة 2500 قبل الميلاد . وكلمة «صهيون » كنعانية أخذها اليهود وجعلوها شعاراً لهم . والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم . كما تربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد ، وتعيد الحق إلى أهله . والمقصود من هذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله ، واشتمال رسالته على هذه المقدسات وارتباط رسالته بها جميعا ، فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان ، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من ذلك .
كما أنها تتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها النظرة الأولى . وهي آية من آيات الله ، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود ، وتنكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري ، والاستعدادات الدينية التي يتهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في أشخاص المختارين من هذا الجنس الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه .
وفي هذه الآية الكريمة يدلنا الله تعالى إلى أن بيت المقدس والشام أجمع هي بلادنا وملك لنا فسارِعوا إلى أخذها . ولم تمض عشرون سنة حتى كانت في حوزة المسلمين وبقيت وستبقى إلى الأبد في أيديهم مهما كانت الغمّة القائمة .
ومهما جمعت إسرائيل من قوة وأسلحة ودعمها الأمريكان والانكليز وغيرهم فإنها سوف تزول ، ولسنا نشك في أن دائرة السوء ستدور عليهم جميعا ، ويذهب هذا الباطل ، وينمحي ذلك الزيف والكذب وتبقى القدس عربية مسلمة ، وتبقى الصخرة المشرفة ومسجد عمر ، { لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون } [ الروم : 4 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.