تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة سبحان ، وهي مكية كلها .

قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم { ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } يعني : بيت المقدس .

{ لنريه من آياتنا } يعني : ما أراه الله ليلة أسري به .

قال محمد : معنى ( أسري به ) أي : سيره ، ولا يكون السرى إلا ليلا ، وفيه لغتان : سرى وأسرى .

يحيى : ( عن حماد ) عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا عند البيت ، إذ أتيت فشق النحر فاستخرج القلب ، فغسل بماء زمزم ، ثم أعيد مكانه ، ثم أتيت بدابة أبيض ، يقال له : البراق ، فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين ، يقع خطوه عند منتهى طرفه ، فحملت عليه ، فسار بي نحو بيت المقدس فإذا مناد ينادي عن يمين الطريق يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم إذا أنا بمناد ينادي عن يسار الطريق : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم إذا أنا بامرأة على قارعة الطريق . أحسبه قال : حسناء حملا عليها من كل الحلي والزينة ، ناشرة شعرها رافعة يديها تقول : يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد على رسلك اسلك ، يا محمد على رسلك اسلك ، فمضيت ولم أعرج عليها ، حتى انتهيت إلى بيت المقدس ، فأوثقت الدابة بالحلقة التي توثق بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناءين : إناء من لبن ، وإناء من خمر ، فتناولت اللبن ، فقال : أصبت الفطرة ، ثم قال لي جبريل : يا محمد ، ما رأيت في رحلتك هذه ؟ قال : سمعت مناديا ينادي عن يمين الطريق : يا محمد ، على رسلك اسلك يا محمد ، على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، قال : فما صنعت ، قلت : مضيت ولم أعرج عليه ، قال : ذاك داعية اليهود ، أما إنك لو عرجت عليه ، لتهودت أمتك . قلت : ثم إذا أنا بمناد ينادي عن يسار الطريق : يا محمد على رسلك اسلك ، يا محمد على رسلك اسلك ، يا محمد ، على رسلك اسلك ، قال : فما صنعت ؟ قال : مضيت ولم أعرج عليه ، قال : ذاك داعية النصارى ، أما إنك لو عرجت عليه لتنصرت أمتك . قلت : ثم إذا أنا بامرأة -أحسبه قال : حسناء- حملا عليها من كل الحلي والزينة ، ناشرة شعرها رافعة يديها تقول : يا محمد على رسلك اسلك ، يا محمد على رسلك اسلك ، يا محمد على رسلك اسلك ، قال : فما صنعت ؟ قلت : مضيت ولم أعرج عليها . قال : تلك الدنيا ، إما أنك لو عرجت عليها لملت إلى الدنيا . ثم أتينا بالمعراج ، فإذا أحسن ما خلق الله ، فقعدنا فيه ، فعرج بنا حتى انتهينا إلى سماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل جنده سبعون ألف ملك ، جند كل ملك سبعون ألف ملك ، ثم تلا هذه الآية : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } [ المدثر : 31 ] فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فأتيت على آدم ، فقلت يا جبريل ، من هذا ؟ قال : هذا أبوك آدم . فرحب بي ، ودعا لي بخير . قال : وإذا الأرواح تعرض عليه ، فإذا مر به روح مؤمن ، قال : روح طيب وريح طيبة ، وإذا مر به{[589]} روح كافر قال : روح خبيث وريح خبيثة ! قال : ثم مضيت فإذا أنا بأخاوين{[590]} عليها لحوم منتنة ، وأخاوين عليها لحوم طيبة ، وإذا رجال ينهشون اللحوم المنتنة ، ويدعون اللحوم الطيبة ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الزناة ، يدعون الحلال ويتبعون الحرام ، قال : ثم مضيت فإذا برجال تفك ألحيتهم ، وآخرون يجيئون بالصخور من النار ، فيقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ، قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، ثم تلا هذه الآية : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } [ النساء : 10 ] ثم مضيت فإذا أنا بقوم يقطع من لحومهم بدمائهم فيضفزونها{[591]} ولهم جؤار ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الهمازون اللمازون . ثم تلا هذه الآية { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه }[ الحجرات : من الآية 12 ] وإذا أنا بنسوة معلقات بثديهن -وأحسبه قال : وإذا حيات وعقارب تنهشهن –فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الظؤرة{[592]} يقتلن أولادهن . قال : ثم أتيت على سابلة آل فرعون حيث ينطلق جمع إلى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، فإذا رأوها قالوا : ربنا لا تقومن الساعة ، لما يرون من عذاب الله ، وإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم وبطونهم ، يأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردا ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا . ثم تلا هذه الآية { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } [ البقرة : 275 ] ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل . فقيل له : من هذا ؟ فقال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ، وإنه لنعم المجيء جاء . ففتح لنا ، فإذا أنا بابني الخالة : يحيى وعيسى ، فرحبا بي ودعوا لي بخير ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل .

قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، قال : فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث ( إليه ){[593]} قال : نعم ، قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا ، فإذا أنا بإدريس ، فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا ، فإذا أنا بهارون وإذا بلحيته شطران : شطر أبيض وشطر أسود ، فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا المحبب في قومه ، وأكثر من رأيت تبعا . قال فرحب بي ودعا لي بخير . قال : ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا ، فإذا أنا بموسى ، وإذا هو رجل أشعر . فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك موسى . قال : فرحب بي ودعا لي بخير ، قال : فمضيت ، فسمعت موسى يقول : يزعم بنو إسرائيل أني أكرم الخلق على الله ، وهذا أكرم على الله مني . ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا فأتيت على إبراهيم وإذا هو مستند إلى البيت المعمور . ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة . قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم . فسلمت عليه . فرحب بي ودعا لي بخير . وإذا أمتي عنده شطران : شطر عليهم ثياب بيض ، وشطر عليهم ثياب رمد ، فدخل أصحاب الثياب البيض ، واحتبس الآخرون . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين خلطوا عملا صالحا وعملا سيئا ، وكل على خير ، ثم قيل : هذه منزلتك ومنزلة أمتك ، ثم تلا هذه الآية : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } [ آل عمران : 68 ] . قال : ثم انتهينا إلى سدرة المنتهى ، فإذا هي أحسن ما خلق الله ، وإذا الورقة من ورقها لو غطيت بهم هذه الأمة لغطتهم ، ثم انفجر من تحتها السلسبيل ، ثم انفجر من السلسبيل نهران : نهر الرحمة ونهر الكوثر فاغتسلت من نهر الرحمة فغفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، ثم أعطيت الكوثر فسلكته حتى إنه ليجري في الجنة ، فإذا طيرها كالبخت ؟ قال : ونظرت إلى جارية ، فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ فقالت : لزيد بن الحارثة . قال : ثم نظرت إلى النار ، ( فإذا ){[594]} عذاب ربي لشديد لا تقوم له الحجارة ولا الحديد ، قال : ثم رجعت إلى سدرة المنتهى ، فغشيها من أمر الله ما غشى ، ووقع على كل ورقة ملك ، وأيدها الله بأيده ، وفرض على الله في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فرجعت إلى موسى ، فقال : ماذا فرض عليك ربك ؟ فقلت : فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة . فقال ارجع إلى ربك فسله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، فرجعت إلى ربي فقلت : أي ربي حط عن أمتي ، فإن أمتي لا تطيق ذلك ، فحط عني خمسا . قال : فرجعت إلى موسى فقال لي : ما فرض عليك ربك ؟ قلت : حط عني خمسا ، فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، قال فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا قال : فلم أزل أختلف ما بين ربي وموسى حتى قال : يا محمد لا تبديل ، إنه لا يبدل القول لدي ، هي خمس صلوات في كل يوم وليلة ، لكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ، قال : فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف . قلت : قد راجعته حتى استحييت{[595]} .


[589]:في المخطوط الأصل (فإذا) وما أثبت أنسب للسياق.
[590]:مفردها: خوان وهو معرب، ويقصد به ما يؤكل عليه، وانظر (اللسان: خون)
[591]:أي يدفعونها في أفواههم، ويلقمونها إياهم، يقال: ضفرت البعير إذا علقته الضفائر، وهي اللقم الكبار، واحدتها ضفيرة. وانظر: (النهاية 3/ 94).
[592]:أي المرضعة غير ولدها. (اللسان: ظئر).
[593]:في الأصل (عليه) وما أثبت أنسب للسياق.
[594]:زيد في المخطوط الأصل (فإذا – إن) وهو خطأ لغوي.
[595]:رواه عبد الرزاق في تفسيره (1/365، 370) وابن جرير في (الجامع) (15/11/14) والطبراني في (الصغير) (2/70)، وأبو الشيخ في العظمة (402) والبغوي في تفسيره (1/341) وابن عساكر في تاريخ دمشق (3/509، 516) والأصفهاني كما في (الترغيب والترهيب) (3/3) والبيهقي في (الدلائل) (2/390 / 360) وأورده ابن كثير في تفسيره (3/13) وعزاه لابن أبي حاتم في تفسيره، وذكر أن فيه غرابة ونكارة، وأن أبا هارون العبدي اسمه: عمارة بن جوين، مضعف عند الأئمة. وأورده البوصيرى في (إتحاف الخيرة) (1/150) وعزاه للحارث بن أبي أسامة في مسنده وقال: مداره على أبي هارون العبدي، وهو ضعيف، والسيوطي في (الدر) (4/158) وعزاه لابن المنذر وابن مردويه وقال: الهيثمي في (مجمع الزوائد) (1/81) رواه الطبراني في (الصغير) وفيه أبو هارون، واسمه عمارة بن جوين، وهو ضعيف.