الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإسراء .

مكية ، وآياتها : 111 .

هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات . قال ابن مسعود في " بني إسرائيل " ، و " الكهف " : إنهما من العِتاق الأُول ، وهن من تِلادي " ، يريد أنهن من قديم كسبه .

بسم الله الرحمان الرحيم .

قوله عزَّ وجلَّ : { سبحان الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام } [ الإسراء : 1 ] .

جل العلماء على أن الإسراء كان بشَخْصه صلى الله عليه وسلم ، وأنه ركِب البُرَاق من مكَّة ، ووصل إِلى بيت المقدس ، وصلَّى فيه ، وقالتْ عائشة ومعاوية : إِنما أُسْرِي بِرُوحه ، والصحيحُ ما ذهب إليه الجمهورُ ، ولو كانتْ منامةً ، ما أمكن قريشاً التشنيعُ ، ولا فُضِّل أبو بكر بالتصديق ، ولا قالَتْ له أمُّ هانىء : لا تحدِّث الناس بهذا ، فيكذِّبوك ، إِلى غير هذا من الدلائل ، وأما قول عائشة فإنها كانت صغيرة ، ولا حدثَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وكذلك معاوية .

قال ابن العربيِّ : قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } قال علماؤنا : لو كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم اسم هو أشرَفُ منه ، لسماه اللَّه تعالى به في تلك الحَالةِ العَلِيَّة ، وقد قال الأستاذ جمال الإِسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هَوَازِنَ : لما رَفَعه اللَّه إِلى حضرته السَّنِيَّةِ وأرقاه فوق الكواكِب العُلْويَّة ألزمه اسم العبوديَّة ، تواضُعاً وإِجلالاً للألوهية ، انتهى من «الأحكام » .

و{ سبحان } مصدر معناه : تنزيهاً للَّه ، وروى طلحة بن عبيد اللَّه الفَيَّاض أحد العَشَرة ، أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : ما معنى سبحان اللَّه ؟ قال : ( تَنْزِيهُ اللَّه مِنْ كُلِّ سوء ) ، وكان الإسراء فيما قال مقاتِلٌ وقتادةُ : قبل الهجرة بعامٍ ، وقيل : بعام ونصفٍ ، والمتحقِّق أن ذلك كان بَعْدَ شَقِّ الصحيفة ، وقبل بيعة العقبة ، ووقع في «الصحيحين » لشَرِيك بن أبي نَمِرٍ ، وَهْمٌ في هذا المعنى فإنه روى حديثَ الإِسراء ، فقال فيه : وذلك قبل أنْ يوحى إِليه ، ولا خلاف بين المحدِّثين أن هذا وَهْمَ من شريك .

قال ( ص ) : { أسرى بِعَبْدِهِ } بمعنى : سَرَى ، وليست همزتُهُ للتعدية ، بل ك«سَقَى وَأَسْقَى » ، والياء للتعدية ، و{ لَيْلاً } ظرفٌ للتأكيد لأن السُّرَى لا يكون لغةً إِلا بليلٍ ، وقيل : يعنى به في جوف الليل ، فلم يكن إِدْلاجاً ولا ادلاجا انتهى .

و{ المسجد الأقصا } : بيت المقدس ، «والأقصا » البعيدُ ، والبركة حولَهُ منْ وجهين .

أحدهما : النبوَّة والشرائعُ والرسُل الذين كانوا في ذَلِكَ القُطْر ، وفي نواحيه .

والآخر : النِّعَم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة .

وقوله سبحانه : { لِنُرِيَهُ } يريد لنري محمَّداً بعينه آياتنا في السموات والملائكة والجَنَّةَ والسِّدْرةَ وغير ذلك من العجائبِ ، مما رآه تلك الليلة ، ولا خلاف أنَّ في هذا الإِسراء فُرِضَت الصلواتُ الخمسُ على هذه الأمة .

وقوله سبحانه : { إِنَّهُ هُوَ السميع البصير } وعيد للمكذِّبين بأمر الإِسراء ، أي : هو السميع لما تقولون ، البصير بأفعالكم .