بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ} (14)

{ زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات } حُسِّن وحُبِّب إليهم ، وقد يكون التزيين من الله تعالى . كما قال في آية أخرى { إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم فَهُمْ يَعْمَهُونَ } [ النمل : 4 ] كما قال في آية أخرى { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } [ النمل : 24 ] فأما التزيين من الله تعالى ، فهو على وجهين : يكون على جهة الامتحان للمؤمنين مع العصمة ، وقد يكون للكفار على جهة العقوبة مع الخذلان ، وأما التزيين من الشيطان ، فهو على جهة الوسوسة . فقال : { زين للناس حب الشهوات مِنَ النساء والبنين } بدأ بالنساء ، لأن فتنة النساء أشد من فتنة جميع الأشياء .

كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما تَرَكْتُ لأُمَّتِي فِتْنَةً أَشَدَّ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ » ، ولأن النساء فتنتهن ظاهرة من وقت آدم عليه السلام إلى يومنا هذا .

ويقال : في النساء فتنتان ، وفي الأولاد فتنة واحدة : إحداهما أنها تؤدي إلى قطيعة الرحم ، لأن المرأة تأمر زوجها بقطيعة الرحم عن الأمهات والأخوات . والثانية يبتلي بجمع المال من الحلال والحرام ، وأما البنون ، فإن الفتنة فيهم واحدة ، وهي ما ابتلي به من جمع المال لأجلهم . فذكر البنين وأراد به الذكور والإناث .

وقال بعض الحكماء : أولادنا فتنة إن عاشوا فتنونا ، وإن ماتوا أحزنونا .

ثم قال تعالى { والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة } روي عن الفراء أنه قال : القناطير جمع قنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فيكون تسع قناطير .

وروي عن أبي عبيدة أنه قال : { المقنطرة } مُفَعَّلة من الورق . كما يقال : ألف مؤلفة ، وبذر مبذرة . ويقال : { المقنطرة } هي المكيلة ، ثم اختلفوا في مقدار القنطار ، فروي عن مجاهد أنه قال : القنطار سبعون ألف دينار . وقال أبو هريرة : القنطار اثني عشر ألف أوقية . وقال معاذ بن جبل : ألف ومائتا أوقية . وقال بعضهم : مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ من ذهب . حكاه الكلبي ، وقال : هو لغة رومية .

وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن القنطار ما هو ؟ فقال : هو مثل دية أحدكم .

ثم قال تعالى : { والخيل المسومة } يعني الراعية كما قال في آية أخرى { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي ترعون . وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل .

وقال يحيى بن كثير : هي السمينة المصورة . وقال أبو عبيدة المُعْلَمة . { والأنعام } يعني الإبل والبقر والغنم { والحرث } يعني الزرع ، ذكر أربعة أصناف كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس ، أما الذهب والفضة ، فيتمول به التجار ، وأما الخيل المُسَوَّمة ، فيتمول بها الملوك ، وأما الأنعام ، فيتمول بها أهل البوادي وأما الحرث فيتمول به أهل الرساتيق ، فيكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول به ، وأما النساء والبنين فهي فتنة للجميع .

ثم زهد في ذلك كله ، ورغب في الآخرة فقال تعالى : { ذلك متاع الحياة الدنيا } أي منفعة الحياة الدنيا تذهب ، ولا تبقى { والله عِندَهُ حُسْنُ المآب } أي المرجع في الآخرة الجنة ، لا تزول . ولا تفنى .