جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىَ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } .

قال أبو جعفر : تبارك : تَفاعَلَ من البركة ، كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو رَوق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : تبارك : تَفَاعَلَ من البركة .

وهو كقول القائل : تقدّس ربنا ، فقوله : تَبارَكَ الّذِي نَزّلَ الفُرْقانَ يقول : تبارك الذي نزّل الفصل بين الحقّ والباطل ، فصلاً بعد فصل وسورة بعد سُورة ، على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ، ليكون محمد لجميع الجنّ والإنس الذين بعثه الله إليهم داعيا إليه ، نذيرا : يعني منذِرا يُنذرهم عِقابه ويخوّفهم عذابه ، إن لم يوحدوه ولم يخلصوا له العبادة ويخلعوا كلّ ما دونه من الاَلهة والأوثان .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : تَبارَكَ الّذِي نَزّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ ليَكُونَ للْعالَمِينَ نَذِيرا قال : النبيّ النذير . وقرأ : وَإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ وقرأ : وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ لَهَا مُنْذِرُونَ قال : رسل . قال : المنذرون : الرسل . قال : وكان نذيرا واحدا بلّغ ما بين المشرق والمغرب ، ذو القرنين ، ثم بلغ السدّين ، وكان نذيرا ، ولم أسمع أحدا يُحِقّ أنه كان نبيّا . وأُوحِيَ إليّ هذَا القُرآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قال : من بلغه القرآن من الخلق ، فرسول الله نذيره . وقرأ : يا أيّها النّاسُ إنّي رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعا وقال : لم يرسل الله رسولاً إلى الناس عامة إلاّ نوحا ، بدأ به الخلق ، فكان رسولَ أهل الأرض كلهم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم خَتَم به .