التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور . وقيل : باستثناء ثلاث آيات فهي مدنية . والسورة مبدوءة بهذه الآية العظيمة الذي يحمدُ الله فيها نفسه ؛ إذ أنزل هذا الفرقان على رسوله لينذر به العالمين .

وفي السورة تنديد شديد بالجاهلين السفهاء الذين يذعنون بالعبادة لآلهة موهومة بلهاء لا تضر ولا تنفع . والذين جحدوا نبوة رسولهم الصادق الأمين وافتروا على كتاب الله الحكيم بالزور والباطل ، فقالوا معاندين مكابرين : إنه أساطير الأولين . وأولئك الضالون السفهاء يعجبون أن يكون الرسول مبعوثا من جنس البشر فهم يستهجنون أن يتصرف الرسول كما يتصرف البشر ؛ إذ يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، ظنا منهم أن الله لا يبعث رسله من غير الملائكة . ذلك ظن الجاحدين الراسخين في الضلالة والباطل ؛ فهو بذلك ليس لهم من جزاء إلا السعير يُلقون فيها مقرّنين وهم يَدعون هنالك ثبورا . ثم يُرد عليهم بما يزيدهم تنكيلا وإياسا وحسرة ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) .

وفي السورة وعيد من الله للمشركين الظالمين بأن مصيرهم إلى النار والخسران ، وأنهم نادمون بالغ الندامة على تفريطهم في دينهم وزيغهم عن صراط الله من غير أن تجديهم الندامة شيئا .

وفي السورة ذكر لعباد الرحمن وما يتجلى في أشخاصهم من جميل الخصال والسجايا مثل : التواضع والخشوع والاعتدال وإخلاص العبادة لله ودوام الدعاء لله بالنجاة والسلامة من عذاب النار . إلى غير ذلك من أخبار القيامة وما فيها من نوازل وأهوال .

بسم الله الرحمان الرحيم

قوله تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 1 ) الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذوا ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( 2 ) } ( تبارك ) ، يعني تمجد وتعظم وتقدس ، وهو من البركة ؛ أي التزايد في الخير . فالمعنى : تزايد خيره وعطاؤه وكثر . وهي كلمة يعظم الله فيها نفسه ؛ فهو ( الذي نزل الفرقان ) ( الفرقان ) مصدر فرّق بين الشيئين إذا فصل بينهما . وسمي القرآن بالفرقان ؛ لأنه يفصل بين الحق والباطل ، وبين الحلال والحرام . وقيل : لأنه لم ينزل جملة واحدة بل نزل مفرقا على نجوم ، مفصولا بين بعضه وبعض في الإنزال كقوله : ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) .

قوله : ( على عبده ) أي نبيه محمد ( ص ) . وهذه صفة مدح وثناء من الله على رسوله عليه الصلاة والسلام . وذلك بإضافته إلى العبودية لله . لا جرم أن أشرف أوصاف المرء كونه مذعنا لله بالعبودية وهي الخضوع لأمره والاستسلام لجلاله العظيم . ويشهد بهذه الحقيقة ثناء الله على رسوله في أكرم حالاته وأقدس ساعاته المباركات لما أسري به إلى السماء ، وهو قول تكريما له وتبجيلا ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) وغير ذلك من مثله من الآيات كثير .

قوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) الضمير في ( ليكون ) عائد على ( عبده ) . وقيل على ( الفرقان ) . والأول أظهر لاستناد الفعل إليه ؛ فهو ( ص ) نذير للعالمين ؛ أي منذر لهم أو مخوف يبلغهم رسالة ربه ويدعوهم إلى عبادته وحده ، ويخوفهم بطشه وانتقامه ، ويتلو عليهم آيات الله البينات ذات الدلالات الواضحات والإعجاز المستبين . والمراد بالعالمين عموم الإنس والجن ؛ فإن محمدا ( ص ) مرسل من ربه إلى الثقلين كافة . وهذه إحدى خصائصه عليه الصلاة والسلام .