النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفرقان

مكية كلها

قال ابن عباس وقتادة إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي { والذين لا يدعون } إلى قوله { غفورا رحيما } .

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : { تَبَارَكَ . . . . } في تبارك ثلاثة أوجه :

أحدها : تفاعل مع البركة ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه الذي تجيء البركة من قِبَلِهِ ، قاله الحسن .

الثالث : خالق البركة : قاله إبراهيم .

وفي البركة ثلاثة أقاويل :

أحدها : العلو .

الثاني : الزيادة .

الثالث : العظمة . فيكون تأويله على الوجه الأول : تعالى ، وعلى الوجه الثاني : تزايد ، وعلى الوجه الثالث : تعاظم .

و { الْفُرْقَانَ } هو القرآن وقيل إنه اسم لكل كتاب منزل كما قال تعالى :

{ وَإِذ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفَرْقَانَ } وفي تسميته فرقاناً وجهان :

أحدهما : لأنه فرق بين الحق والباطل .

الثاني : لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام ، حكاه النقاش .

{ عَلَى عَبْدِهِ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وقرأ ابن الزبير { عَلَى عِبَادِهِ } بالجمع .

{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمينَ نَذِيراً } فيه قولان :

أحدهما : ليكون محمد نذيراً ، قاله قتادة وابن زيد .

الثاني : ليكون الفرقان ، حكاه ابن عيسى . والنذير : المحذر من الهلاك ، ومنه قول الشاعر :

فلما تلاقينا وقد كان منذر *** نذيراً فلم يقبل نصيحة ذي النذر

والمراد بالعالمين هنا الإِنس والجن لأن النبي صلى الله عليه قد كان رسولاً إليهما ونذيراً لهما وأنه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عامّ الرسالة إلا نوحاً فإنه عم برسالته جميع الإِنس بعد الطوفان لأنه بدأ به الخلق ، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين :

أحدهما : عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة .

الثاني : خاصة بقومه لأنه ما تجاوزهم بدعائه .