قوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } أراد إذا كانا حرين بالغين عاقلين بكرين غير محصنين فاجلدوا : فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، يقال جلده إذا ضرب جلده ، كما يقال رأسه وبطنه ، إذا ضرب رأسه وبطنه ، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم ، وقد وردت السنة أنه يجلد مائة ويغرب عاماً وهو قول أكثر أهل العلم ، وإن كان الزاني محصناً فعليه الرجم ، ذكرناه في سورة النساء . { ولا تأخذكم بهما رأفة } أي : رحمة ورقة ، وقرأ ابن كثير ( رأفة ) بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديث أنها ساكنة لمجاورة قوله ورحمة ، والرأفة معنى يكون في القلب ، لا ينهى عنه لأنه لا يكون باختيار الإنسان .
روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت ، فقال للجلاد : اضرب ظهرها ورجليها ، فقال له ابنه : لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، فقال يا بني إن الله عز وجل لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فأوجعت . واختلفوا في معنى الآية ، فقال قوم : ( لا تأخذكم بهما رأفة ) فتعطلوا الحدود ولا تقيموها ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي . وقال جماعة : معناها ولا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضرباً ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن ، قال الزهري : يجتهد في حد الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب . وقال قتادة : يجتهد في حد الزنا ويخفف في الشرب والفرية . { في دين الله } أي : في حكم الله ، { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله تعالى . { وليشهد } وليحضر ، { عذابهما } حدهما إذا أقيم عليهما { طائفة } نفر ، { من المؤمنين } قال مجاهد والنخعي : أقله رجل واحد فما فوق ، وقال عكرمة وعطاء : رجلان فصاعداً . وقال الزهري وقتادة : ثلاثة فصاعداً . وقال مالك وابن زيد : أربعة بعدد شهود الزنا .
ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها ، فقال : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }
هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين ، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة ، وأما الثيب ، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ، أن حده الرجم ، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [ بهما ] في دين الله ، تمنعنا من إقامة الحد عليهم ، سواء رأفة طبيعية ، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك ، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله ، فرحمته حقيقة ، بإقامة حد الله عليه ، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه ، فلا نرحمه من هذا الجانب ، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة ، أي : جماعة من المؤمنين ، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع ، وليشاهدوا الحد فعلا ، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل ، مما يقوى بها العلم ، ويستقر به الفهم ، ويكون أقرب لإصابة الصواب ، فلا يزاد فيه ولا ينقص ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : من زنى من الرجال أو زنت من النساء ، وهو حُرّ بِكرٌ غير مُحْصَن بزوج ، فاجلدوه ضربا مئة جلة عقوبة لِما صنع وأتى من معصية الله . وَلا تَأْخُذُكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينَ اللّهِ يقول تعالى ذكره : لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة ، وهي رقة الرحمة في دين الله ، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحدّ عليهما على ما ألزمكم به .
واختلف أهل التأويل في المنهيّ عنه المؤمنون من أخذ الرأفة بهما ، فقال بعضهم : هو ترك إقامة حدّ الله عليهما ، فأما إذا أقيم عليهما الحدّ فلم تأخذهم بهما رأفة في دين الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مُلَيجة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، قال : جَلَد ابن عمر جارية له أحدثت ، فجلد رجليها قال نافع : وحسبت أنه قال : وظهرها فقلت : وَلا تَأْخَذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ فقال : وأخذتني بها رأفة ، إن الله لم يأمرني أن أقتلها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول : ثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، أن عبد الله بن عمر حدّ جارية له ، فقال للجالد ، وأشار إلى رجلها وإلى أسفلها ، قلت : فأين قول الله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : أفأقتلها ؟ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ فقال : أن تقيم الحدّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، ابن جُرَيج : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : لا تضيعوا حدود الله .
قال ابن جُرَيج : وقال مجاهد : لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ : لا تضيعوا الحدود في أن تقيموها . وقالها عطاء بن أبي رباح .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبد الملك وحجاج ، عن عطاء : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : يقام حدّ الله ولا يعطل ، وليس بالقتل .
حدثنا ابن المثّنى ، قال : ثني محمد بن فضيل ، عن داود ، عن سعيد بن جبير ، قال : الجلد .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهَبّاريّ ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دينِ الله قال : الضرب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت عمران ، قال : قلت لأبي مجلز : الزّانِيَةُ وَالزّاني فاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما . . . إلى قوله : واليَوْمِ الاَخرِ إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل حدّا ، أو تقطع يده . قال : إنما ذاك أنه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم الحدّ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دِينِ اللّهِ قال لا تقام الحدود .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةُ فتدعوهما من حدود الله التي أمر بها وافترضها عليهما .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا ابن لَهِيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، أنه سأل سليمان بن يسار ، عن قول الله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ الله أي في الحدود أو في العقوبة ؟ قال : ذلك فيهما جميعا .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلِيّ ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دِينِ اللّهِ قال : أن يقام حدّ الله ولا يعطّل ، وليس بالقتل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دين الله قال : الضرب الشديد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وَلا تَأْخُذْكُمْ بهما رأفَةٌ فتُخَفّفوا الضرب عنهما ، ولكن أو جعوهما ضربا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن قَتادة ، عن الحسن وسعيد ابن المسيب : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : الجلد الشديد .
قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن حماد ، قال : يُحَدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما . وأما الزاني فتخلع ثيابه . وتلا هذه الآية : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ فقلت لحماد : أهذا في الحكم ؟ قال : في الحكم والجلد .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهريّ ، قال : يجتهد في حدّ الزاني والفرية ، ويخفف في حدّ الشرب . وقال قَتادة : يخفف في الشراب ، ويجتهد في الزاني .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حدّ الله عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لدلالة قول الله بعده : «في دين الله » ، يعني في طاعة الله التي أمركم بها . ومعلوم أن دين الله الذي أمر به في الزانيين : إقامة الحدّ عليهما ، على ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة ، مع أن الشدّة في الضرب لا حدّ لها يوقف عليه ، وكلّ ضرب أوجع فهو شديد ، وليس للذي يوجع في الشدّة حدّ لا زيادة فيه فيؤمر به وغير جائز وصفه جلّ ثناؤه بأنه أمر بما لا سبيل للمأموربه إلى معرفته . وإذا كان ذلك كذلك ، فالذي للمأمورين إلى معرفته السبيل هو عدد الجَلد على ما أمر به ، وذلك هو إقامة الحد على ما قلنا . وللعرب في الرأفة لغتان : الرأفة بتسكين الهمزة ، والرآفة بمدّها ، كالسأمة والسآمة ، والكأْبة والكآبة . وكأنّ الرأفة المرّة الواحدة ، والرآفة المصدر ، كما قيل : ضَؤُل ضآلة مثل فَعُل فعالة ، وقَبُح قباحة .
وقوله : إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِيقول : إن كنتم تصدّقون بالله ر بكم وباليوم الاَخر ، وأنكم فيه مبعوثون لحشر القيامة وللثواب والعقاب ، فإن من كان بذلك مصدّقا فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه خوف عقابه على معاصيه . وقوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره : وليحضر جلد الزانيين البِكْرَين وحدّهما إذا أقيم عليهما طائفةٌ من المؤمنين . والعرب تسمي الواحد فما زاد . طائفة . مِنَ المُؤُمِنينَ يقول : من أهل الإيمان بالله ورسوله .
وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد الطائفة الذي أمر الله بشهود عذاب الزانيين البِكْرين ، فقال بعضهم : أقله واحد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطائفة : رجل .
حدثنا عليّ بن سهل بن موسى بن إسحاق الكنانيّ وابن القوّاس ، قالا : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِقَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : الطائفة رجل . قال عليّ : فما فوق ذلك وقال ابن القوّاس : فأكثر من ذلك .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا زيد ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطائفة : رجل .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : قال ابن أبي نجيح : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال مجاهد : أقله رجل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : الطائفة : الواحد إلى الألف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد في هذه الآية : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِن المُؤْمِنينَ قال : الطائفة واحد إلى الألف وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمنِينَ اقْتَتَلُوا فأَصْلِحُوا بَيْنَهُما .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، قال : الطائفة : الرجل الواحد إلى الألف ، قال : وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما : إنما كانا رجلين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : سمعت عيسى بن يونس ، يقول : حدثنا النعمان بن ثابت ، عن حماد وإبراهيم قالا : الطائفة : رجل .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : الطائفة : رجل واحد فما فوقه .
وقال آخرون : أقله في في هذا الموضع رجلان . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : قال عطاء : أقله رجلان .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة قال : ليحضر رجلان فصاعدا .
وقال آخرون : أقلّ ذلك ثلاثة فصاعدا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهريّ ، قال : الطائفة : الثلاثة فصاعدا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : نفر من المسلمين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، قال : حدثنا أشعث ، عن أبيه ، قال : أتيت أبا بَرْزة الأسلميّ في حاجة وقد أخرج جارية إلى باب الدار وقد زنت ، فدعا رجلاً فقال : اضربها خمسين فدعا جماعة ، ثم قرأ : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ .
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ ، قال : حدثنا يحيى ، عن أشعث ، عن أبيه ، أن أبا بَرْزة أمر ابنه أن يضرب جارية له ولدت من الزنا ضربا غير مبرّح ، قال : فألقى عليها ثوبا وعنده قوم ، وقرأ : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما الآية .
وقال آخرون : بل أقلّ ذلك أربعة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : فقال : الطائفة التي يجب بها الحدّ أربعة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : أقلّ ما ينبغي حضور ذلك من عدد المسلمين : الواحد فصاعدا وذلك أن الله عمّ بقوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ والطائفة : قد تقع عند العرب على الواحد فصاعدا . فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن الله تعالى ذكره وضع دلالة على أن مراده من ذلك خاصّ من العدد ، كان معلوما أن حضور ما وقع عليه أدنى اسم الطائفة ذلك المحضر مخرج مقيم الحدّ مما أمره الله به بقوله : وَلَيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ . غير أني وإن كان الأمر على ما وصفت ، أستحبّ أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته على الزنا لأن ذلك إذا كان كذلك فلا خلاف بين الجمع أنه قد أدّى المقيم الحدّ ما عليه في ذلك ، وهم فيما دون ذلك مختلفون .
{ الزانية والزانى فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } .
ابتداء كلام وهو كالعنوان والترجمة في التبويب فلذلك أتي بعده بالفاء المؤذنة بأن ما بعدها في قوة الجواب وأن ما قبلها في قوة الشرط . فالتقدير : الزانية والزاني مما أنزلت له هذه السورة وفرضت . ولما كان هذا يستدعي استشراف السامع كان الكلام في قوة : إن أردتم حكمهما فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة . وهكذا شأن هذه الفاء كلما جاءت بعد ما هو في صورة المبتدأ فإنما يكون ذلك المبتدأ في معنى ما للسامع رغبة في استعلام حاله كقول الشاعر ، وهو من شواهد « كتاب سيبويه » التي لم يعرف قائلها :
وقائلة : خولانُ فانكح فتاتهم *** وأُكرومة الحيين خِلو كما هِيا
التقدير : هذه خولان ، أو خولان مما يرغب في صهرها فانكح فتاتهم إن رغبت . ومن صرفوا ذهنهم عن هذه الدقائق في الاستعمال قالوا الفاء زائدة في الخبر . وتقدم زيادة الفاء في قوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } في سورة العقود ( 38 ) .
وصيغتا { الزانية والزاني } صيغة اسم فاعل وهو هنا مستعمل في أصل معناه وهو اتصاف صاحبه بمعنى مادته فلذلك يعتبر بمنزلة الفعل المضارع في الدلالة على الاتصاف بالحدث في زمن الحال ، فكأنه قيل : التي تزني والذي يزني فاجلدوا كل واحد منهما إلخ . ويؤيد ذلك الأمر بجلد كل واحد منهما فإن الجلد يترتب على التلبس بسببه .
ثم يجوز أن تكون قصة مرثد بن أبي مرثد النازل فيها قوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زنية أو مشركة } [ النور : 3 ] إلخ هي سبب نزول أول هذه السورة . f فتكون آية { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } هي المقصد الأول من هذه السورة ويكون قوله : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } تمهيداً ومقدمة لقوله : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } [ النور : 3 ] فإن تشنيع حال البغايا جدير بأن يقدم قبله ما هو أجدر بالتشريع وهو عقوبة فاعل الزنى . ذلك أن مرثد ما بعثه على الرغبة في تزوج عناق إلا ما عرضته عليه من أن يزني معها .
وقدم ذكر { الزانية } على { الزاني } للاهتمام بالحكم لأن المرأة هي الباعث على زنى الرجل وبمساعفتها الرجل يحصل الزنى ولو منعت المرأة نفسها ما وجد الرجل إلى الزنى تمكيناً ، فتقديم المرأة في الذكر لأنه أشد ي تحذيرها . وقوله : { كل واحد منهما } للدلالة على أنه ليس أحدهما بأولى بالعقوبة من الآخر .
وتعريف { الزانية والزاني } تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً ومقام التشريع يقتضيه ، وشأن ( أل ) الجنسية إذا دخلت على اسم الفاعل أن تبعّد الوصف عن مشابهة الفعل فلذلك لا يكون اسم الفاعل معها حقيقة في الحال ولا في غيره وإنما هو تحقق الوصف في صاحبه .
وبهذا العموم شمل الإماء والعبيد ، ف { الزانية والزاني } من اتصفت بالزنى واتصف بالزنى .
والزنى : اسم مصدر زَنى ، وهو جماع بين الرجل والمرأة اللذين لا يحل أحدهما للآخر ، يقال : زنى الرجل وزنت المرأة ، ويقال : زانى بصيغة المفاعلة لأن الفعل حاصل من فاعلين ولذلك جاء مصدره الزناء بالمدّ أيضاً بوزن الفِعال ويخفف همزه فيصير اسماً مقصوراً . وأكثر ما كان في الجاهلية أن يكون بداعي المحبة والموافقة بين الرجل والمرأة دون عوض ، فإن كان بعوض فهو البغاء يكون في الحرائر ويغلب في الإماء وكانوا يجهرون به فكانت البغايا يجعلن رايات على بيوتهن مثل راية البيطار ليعرفن بذلك وكل ذلك يشمله اسم الزنى في اصطلاح القرآن وفي الحكم الشرعي . وتقدم ذكر الزنى في قوله تعالى : { ولا تقربوا الزنى } في سورة الإسراء ( 32 ) .
والجلد : الضرب بسير من جلد . مشتق من الجلد بكسر الجيم لأنه ضرب الجلد . أي البشرة . كما اشتق الجَبْه ، والبَطْن ، والرأس في قولهم جَبَهه إذا ضرب جبهته ، وبَطنَه إذا ضرب بطنه ، ورَأسه إذا ضرب رأسه . قال في « الكشاف » : وفي لفظ الجلد إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم اهـ . أي لا يكون الضرب يُطير الجلد حتى يظهر اللحم ، فاختيار هذا اللفظ دون الضرب مقصود به الإشارة إلى هذا المعنى على طريقة الإدماج .
واتفق فقهاء الأمصار على : أن ضرب الجلد بالسوط . أي بسَيْر من جلد . والسوط : هو ما يضرب به الراكب الفرس وهو جلد مضفور ، وأن يكون السوط متوسط اللين ، وأن يكون رفع يد الضارب متوسطاً . ومحل الجلد هو الظهر عند مالك . وقال الشافعي : تضرب سائر الأعضاء ما عدا الوجه والفرج . وأجمعوا على ترك الضرب على المقاتل ، ومنها الرأس في الحد . روى الطبري أن عبد الله بن عمر حد جارية أحدثت فقال للجالد : اجلد رجليها وأسفلها ، فقال له ابنه عبد الله : فأين قول الله تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } فقال فاقتها . وقوله : { كل واحد منهما } تأكيد للعموم المستفاد من التعريف فلم يكتف بأن يقال : فاجلدوهما ، كما قال : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [ المائدة : 38 ] وتذكير كل واحد تغليب للمذكر مثل { وكانت من القانتين } [ التحريم : 12 ] .
والخطاب بالأمر بالجلد موجه إلى المسلمين فيقوم به من يتولى أمور المسلمين من الأمراء والقضاة ولا يتولاه الأولياء ، وقال مالك والشافعي وأحمد : يقيم السيد على عبده وأمته حد الزنى ، وقال أبو حنيفة لا يقيمه إلا الإمام . وقال مالك : لا يقيم السيد حد الزنى على أمته إذا كانت ذات زوج حر أو عبد ولا يقيم الحد عليها إلا ولي الأمر .
وكان أهل الجاهلية لا يعاقبون على الزنى لأنه بالتراضي بين الرجل والمرأة إلا إذا كان للمرأة زوج أو ولي يذب عن عرضه بنفسه كما أشار إليه قول امرىء القيس :
تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً *** علي حراصاً لو يسرّون مقتلي
وهن بنات القوم إن يشعروا بنا *** يكن في بنات القوم إحدى الدهارس
الدهارس : الدواهي . ولم تكن في ذلك عقوبة مقدرة ولكنه حكم السيف أو التصالح على ما يتراضيان عليه . وفي « الموطأ » عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله . وقال الآخر وهو أفقههما : أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم . فقال : تكلم . قال : إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأخبروني أنما الرجم على امرأته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فردّ عليك . وجلد ابنه مائة وغربه عاماً وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رَجمها فاعترفت فرجمها . قال مالك : والعسيف الأجير اهـ .
فهذا الافتداء أثر مما كانوا عليه في الجاهلية ، ثم فرض عقاب الزنى في الإسلام بما في سورة النساء وهو الأذى للرجل الزاني ، أي بالعقاب الموجع ، وحبس للمرأة الزانية مدة حياتها . وأشارت الآية إلى أن ذلك حكم مجمل بالنسبة للرجل لأن الأذى صالح لأن يبيّن بالضرب أو بالرجم وهو حكم موقت بالنسبة إلى المرأة بقوله : { أو يجعل الله لهن سبيلاً } [ النساء : 15 ] ثم فرض حد الزنى بما في هذه السورة .
ففرض حد الزنى بهذه الآية جلد مائة فعمّ المحصن وغيره ، وخصصته السنة بغير المحصن من الرجال والنساء . فأما من أحصن منهما ، أي تزوج بعقد صحيح ووقع الدخول فإن الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت . وكان ذلك سُنةً متواترةً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ورجم ماعز بن مالك . وأجمع على ذلك العلماء وكان ذلك الإجماع أثراً من آثار تواترها .
وقد روي عن عمر أن الرجم كان في القرآن « الثيِّب والثيبة إذا زنيا فارجموهما البتة » وفي رواية « الشيخ والشيخة » وأنه كان يقرأ ونسخت تلاوته . وفي « أحكام ابن الفرس » في سورة النساء : « وقد أنكر هذا قوم » ، ولم أر من عيّن الذين أنكروا . وذكر في سورة النور أن الخوارج بأجمعهم يرون هذه الآية على عمومها في المحصن وغيره ولا يرون الرجم ويقولون : ليس في كتاب الله الرجم فلا رجم .
ولا شك في أن القضاء بالرجم وقع بعد نزول سورة النور . وقد سئل عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم : أكان قبل سورة النور أو بعدها ؟ ( يريد السائل بذلك أن تكون آية سورة النور منسوخة بحديث الرجم أو العكس ، أي أن الرجم منسوخ بالجلد ) فقال ابن أبي أوفى : لا أدري .
وفي رواية أبي هريرة أنه شهد الرجم . وهذا يقتضي أنه كان معمولاً به بعد سورة النور لأن أبا هريرة أسلم سنة سبع وسورة النور نزلت سنة أربع أو خمس كما علمت وأجمع العلماء على أن حد الزاني المحصن الرجم .
وقد ثبت بالسنة أيضاً تغريب الزاني بعد جلده تغريب سنة كاملة ، ولا تغريب على المرأة . وليس التغريب عند أبي حنيفة بمتعين ولكنه لاجتهاد الإمام إن رأى تغريبه لدعارته . وصفة الرجم والجلد وآلتهما مبينة في كتب الفقه ولا يتوقف معنى الآية على ذكرها .
{ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }
عطف على جملة { فاجلدوا } ؛ فلما كان الجلد موجعاً وكان المباشر له قد يرق على المجلود من وجعه نُهي المسلمون أن تأخذهم رأفة بالزانية والزاني فيتركوا الحد أو ينقصوه .
والأخذ : حقيقته الاستيلاء . وهو هنا مستعار لشدة تأثير الرأفة على المخاطبين وامتلاكها إرادتهم بحيث يضعفون عن إقامة الحد فيكون كقوله : { أخذته العزة بالإثم } [ البقرة : 206 ] فهو مستعمل في قوة ملابسة الوصف للموصوف .
و { بهما } يجوز أن يتعلق ب { رأفة } فالباء للمصاحبة لأن معنى الأخذ هنا حدوث الوصف عند مشاهدتهما . ويجوز تعليقه ب { تأخذكم } فتكون الباء للسببية ، أي أخذ الرأفة بسببهما أي بسبب جلدهما .
وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بذكر الزاني والزانية تنبيهاً على الاعتناء بإقامة الحد . والنهي عن أن تأخذهم رأفة كناية عن النهي عن أثر ذلك وهو ترك الحد أو نقصه . وأما الرأفة فتقع في النفس بدون اختيار فلا يتعلق بها النهي ؛ فعلى المسلم أن يروض نفسه على دفع الرأفة في المواضع المذمومة فيها الرأفة .
والرأفة : رحمة خاصة تنشأ عند مشاهدة ضُرّ بالمرؤوف . وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } في سورة البقرة ( 143 ) . ويجوز سكون الهمزة وبذلك قرأ الجمهور . ويجوز فتحها وبالفتح قرأ ابن كثير .
وعلق بالرأفة قوله : { في دين الله } لإفادة أنها رأفة غير محمودة لأنها تعطل دين الله ، أي أحكامه ، وإنما شرع الله الحد استصلاحاً فكانت الرأفة في إقامته فساداً . وفيه تعريض بأن الله الذي شرع الحد هو أرأف بعباده من بعضهم ببعض . وفي « مسند أبي يعلى » عن حذيفة مرفوعاً : " يؤتى بالذي ضَرب فوق الحد فيقول الله له : عبدي لم ضربت فوق الحد ؟ فيقول : غضبت لك فيقول الله : أكان غضبك أشد من غضبي ؟ ويؤتى بالذي قصّر فيقول : عبدي لِمَ قصرت ؟ فيقول : رحِمتُهُ . فيقول : أكانت رحمتك أشد من رحمتي . ويؤمر بهما إلى النار " .
وجملة : { إن كنتم تؤمنون بالله } شرط محذوف الجواب لدلالة ما قبله عليه ، أي إن كنتم مؤمنين فلا تأخذكم بهما رأفة ، أي لا تؤثر فيكم رأفة بهما . والمقصود : شدة التحذير من أن يتأثروا بالرأفة بهما بحيث يفرض أنهم لا يؤمنون . وهذا صادر مصدر التلهيب والتهييج حتى يقول السامع : كيف لا أومن بالله واليوم الآخر .
وعطف الإيمان باليوم الآخر على الإيمان بالله للتذكير بأن الرأفة بهما في تعطيل الحد أو نقصه نسيان لليوم الآخر فإن تلك الرأفة تفضي بهما إلى أن يؤخذ منهما العقاب يوم القيامة فهي رأفة ضارة كرأفة ترك الدواء للمريض ، فإن الحدود جوابر على ما تؤذن به أدلة الشريعة .
{ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين } .
أمر أن تحضر جماعة من المسلمين إقامة حد الزنا تحقيقاً لإقامة الحد وحذراً من التساهل فيه فإن الإخفاء ذريعة للإنساء ، فإذا لم يشهده المؤمنون فقد يتساءلون عن عدم إقامته فإذا تبين لهم إهماله فلا يعدم بينهم من يقوم بتغيير المنكر من تعطيل الحدود .
وفيه فائدة أخرى وهي أن من مقاصد الحدود مع عقوبة الجاني أن يرتدع غيره ، وبحضور طائفة من المؤمنين يتعظ به الحاضرون ويزدجرون ويشيع الحديث فيه بنقل الحاضر إلى الغائب .
والطائفة : الجماعة من الناس . وقد تقدم ذكرها عند قوله تعالى : { فلتقم طائفة منهم معك } في سورة النساء ( 102 ) ، وعند قوله : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } في آخر الأنعام ( 156 ) . وقد اختلف في ضبط عددها هنا . والظاهر أنه عدد تحصل بخبره الاستفاضة وهو يختلف باختلاف الأمكنة . والمشهور عن مالك الاثنان فصاعداً ، وقال ابن أبي زيد : أربعة اعتباراً بشهادة الزنا . وقيل عشرة .
وظاهر الأمر يقتضي وجوب حضور طائفة للحد . وحمله الحنفية على الندب وكذلك الشافعية ولم أقف على تصريح بحكمه في المذهب المالكي . ويظهر من إطلاق المفسرين وأصحاب الأحكام من المالكية ومن اختلافهم في أقل ما يجزىء من عدد الطائفة أنه يحمل على الوجوب إذ هو محمل الأمر عند مالك . وأيَّاً مَّا كان حكمه فهو في الكفاية ولا يطالب به من له بالمحدود مزيد صلة يحزنه أن يشاهد إقامة الحد عليه .