تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

2 - الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ .

1 . في هذه الآية بيان لحد الزاني البكر ، وفي السنة الصحيحة بيان لحد الزاني المتزوج وهو الرجم ، وقد بينت الآية وجوب الصرامة في إقامة الحد ، وعدم الرأفة في أخذ الفاعلين بجرمهما ، وعدم تعطيل الحد أو الترفق في إقامته ، تراخيا في دين الله وحقه ، وإقامته في مشهد عام تحضره طائفة من المؤمنين ، فيكون أوجع وأوقع في نفوس الفاعلين ونفوس المشاهدين .

2 . في بيان حكم السرقة بدأ الله تعالى بالرجل فقال سبحانه : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . ( المائدة : 38 ) .

وفي بيان حكم الزنا بدأ الله تعالى بالمرأة ؛ لأن السرقة يغلب وقوعها من الرجال وهم عليها أجرا من النساء وأجلد وأخطر فقدموا عليهن لذلك . أما الزنا من المرأة فهو أشد خطرا لما يترتب عليه من فساد الأنساب وتلطيخ فراش الرجل ، وهو عار على عشيرة المرأة وأشد وألزم ، والفضيحة بالحمل منه أظهر وأدوم ؛ فلهذا كان تقديمها على الرجل أهم .

قال القرطبي : قدمت الزانية في هذه الآية حيث كان زنا النساء فاشيا في ذلك الزمان ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات ، كن مجاهرات بذلك ، وقيل : لأن الزنا في النساء أعر وهو لأجل الحبل أضر ، وقيل : لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب ؛ فصدرها تغليظا لتردع شهوتها ، وإن كان قد ركب فيها حياء ، لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله ، وأيضا : فإن العار بالنساء ألحق ، إذ موضعهن الحجاب والصيانة ، فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما2 .

3 . بدأت دعوة الإسلام ببيان حكم العقيدة والدعوة إلى الإيمان بالله ، ولو بدأت بتحريم الزنا لقال الناس : لا نترك الزنا أبدا ، ولو بدأت بتحريم الخمر لقال الناس : لا نترك الخمر أبدا كما قالت عائشة – رضي الله عنها - : فلما استقر الإيمان في القلوب ؛ بين الله بالتدريج أحكام الحلال والحرام .

وفي الآية الخامسة عشر من سورة النساء ذكر القرآن أن الزنا جريمة اجتماعية أو عائلية .

ثم بين القرآن في سورة النور ، أن الزنا جريمة جنائية ، يجلد الزاني مائة جلدة إذا كان بكرا ، وهناك مواصفات لطريقة الجلد منها : أن يضرب بسوط لا ثمرة فيه ، وأن يكون السوط وسطا ، وأن يوزع الجلد على جسمه لينال الألم كل عضو تمتع باللذة الحرام ، ولا يضرب على وجهه لأنه مجمع المحاسن ، ولا يضرب في فرجه لأنه مقتل .

4 . لقد حرم الزنا في جميع الشرائع ، وبذلت المجتمعات الإنسانية سعيها لسد باب الزنا ، فهو رذيلة من ناحية الأخلاق ، وإثم من ناحية الدين ، وعيب وعار من ناحية الاجتماع ، وهذا أمر مازالت المجتمعات البشرية مجمعة عليه منذ أقدم عصور التاريخ إلى يومنا الحاضر ، ولم يخالفها فيه حتى اليوم إلا شرذمة قليلة من الذين جعلوا عقولهم تابعة لأهوائهم وشهواتهم البهيمية ، ويظنون كل مخالفة للنظام والعرف الجاري اختراعا لفلسفة جديدة .

والعلة في هذا الإجماع العالمي ، أن الفطرة الإنسانية بنفسها تقتضي حرمة الزنا ، لأن التمدن الإنساني لم يتكون إلا بمعاشرة الرجل والمرأة معا ، وإنشائهما أسرة ثم امتداد وشائج النسب والطهر بين تلك الأسرة ، ( فالأسرة هي المحضن الصالح للتربية ، وهي الجو الملائم لتربية الأطفال ، ورعايتهم وتهذيب غرائزهم ، ورعاية نموهم النفسي والبدني والاجتماعي )3 .

وإذا رجعنا إلى تاريخ البشرية الطويل ، رأينا أنه ما من أمة من الأمم فشت فيها الفاحشة ؛ إلا صارت إلى انحلال وهزيمة .

5 . الزنا المحض :

رغم اتفاق الشرائع على أن الزنا رذيلة ، إلا أن بعضها فرق بين الزنا المحض والزنا بزوجة الغير ، فاعتبر الأول خطيئة أو زلة يسيرة ، واعتبر الثاني جريمة مستلزمة للعقوبة .

والزنا المحض عندهم أن يجامع رجل – بكرا كان أو متزوجا – امرأة ليست بزوجة أحد . فالعبرة هنا بحال المرأة ، فإذا كانت غير متزوجة فعقوبة هذه الخطيئة هين جدا في قوانين مصر القديمة وبابل وآشور والهند ، وهذه القاعدة هي التي أخذت بها اليونان والرم ، وبها تأثر اليهود أخيرا ، فهي لم تذكر في الكتاب المقدس لليهود ، إلا كخطيئة يلزم الرجل عليها غرامة مالية لا غير .

فقد جاء في كتاب الخروج : ( وإذا راود رجل عذراء لم تخطب فاضطجع معها يمهرها لنفسه زوجة ، إن أبى أبوها أن يعطيه إياها يزن له فضة كمهر العذارى )4 .

وجاء هذا الحكم بعينه في كتاب الاستثناء بشيء من الاختلاف في ألفاظه ، وبعده التصريح بأنه : ( إذا وجد رجل فتاة عذراء غير مخطوبة ، فأمسكها واضطجع معها فوجدا ، يعطي الرجل الذي اضطجع معها لأبي الفتاة خمسين مثقالا من الفضة ، وتكون هي له زوجة من أجل أنه قد أذلها )5 . غير أنه إذا زنى أحد ببنت القسيس عوقب بالشنق بموجب القانون اليهودي ، وعوقبت البنت بالإحراق .

6 . إن القوانين الغربية – وهي التي يتبعها معظم بلاد المسلمين في هذا الزمان – إنما تقوم على هذه التصورات المختلفة ، فالزنا في نظرها وإن كان عيبا أو رذيلة خلقية أو ذنبا ، ولكنه ليس بجريمة على كل حال . وإن الشيء الوحيد الذي يحوله إلى جريمة ، هو الجبر والإكراه ، أي : أن يجامع الرجل المرأة بدون رضاها ، أما الرجل المتزوج فإن كان ارتكابه لفعلة الزنا سببا للنزاع والشكوى ، فإنما هو كذلك لزوجته وحدها ، فلها – إن شاءت – أن تطلب من المحكمة تخليصها منه . وأما إذا كانت المرتكبة للزنا امرأة متزوجة ، فإن لزوجها أن يشكوها إلى المحكمة ويطلقها ، بل له أن يشكو إلى المحكمة ذلك الرجل الذي ارتكب الزنا بزوجته وينال منه غرامة مالية .

7 . الزنا في الإسلام :

يقرر الإسلام أن الزنا جريمة مستلزمة للمؤاخذة والعقوبة ، وقد عرف الفقهاء الزنا بأنه : وطء الرجل المرأة في القبل حراما ، كالميل في المكحلة ، أو القلم في الدواة .

وجاء في كتاب الاختيار في الفقه الحنفي ما يأتي : يثبت الزنا بالبينة والإقرار ، والبينة أن يشهد أربعة على رجل أو امرأة بالزنا ، فإذا شهدوا يسألهم القاضي عن ماهيته ، ومكانه وزمانه ، والمزنى بها ، فإذا بينوا ذلك ، وذكروا أنها محرمة عليه من كل وجه ، وشهدوا به كالميل في المكحلة ، والقلم في الدواة ، وعدلوا في السر والعلانية ؛ حكم القاضي عليه بالحد ، وحد الزاني إذا كان محصنا6 الرجم بالحجارة حتى يموت ، يخرج إلى أرض فضاء ، فإن كان ثبت بالبينة يبتدأ بالشهود ثم الإمام ثم الناس ، فإذا امتنع الشهود أو بعضهم لا يرجم ، وإذا ثبت بالإقرار ابتدأ الإمام ثم الناس . وإن لم يكن محصنا فحده الجلد مائة جلدة يضرب بسوط لا ثمرة له ، ضربا متوسطا7 ، يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه ، ويجرد من ثيابه إلا الإزار ، ولا تجرد المرأة عن الفرو والحشو8 .

8 . التدرج في التشريع :

نبه القرآن المكي إلى ضرر الزنا وحذر المؤمنين من آثامه ، ومثال ذلك ما نجده في سورة الفرقان : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . ( الفرقان : 68 ) .

ومن سورة الإسراء المكية يقول سبحانه : وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً . ( الإسراء : 32 ) .

وفي السنة الثالثة بعد الهجرة النبوية ، قرر القرآن أن الزنا جريمة مستلزمة للعقوبة ، ولكنه ما كان إذ ذاك جريمة قانونية ، حيث يكون لشرطة الدولة وحكمتها أن تؤاخذ عليها الناس ، وإنما كان بمثابة جريمة اجتماعية أو عائلية لأهل الأسرة أن يعاقبوا من يأتيها منهم بأنفسهم ، وهذا الحكم قد جاء في الآيات : 15 ، 16 ، 17 من سورة النساء . قال تعالى : وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً . ( النساء : 15 – 17 ) .

وفي الآية الأولى إشارة واضحة إلى أن هذا الحكم مؤقت ، وسيأتي الحكم النهائي لحد الزنا في المستقبل ، وهذا الحكم هو الذي نزل بعد سنتين ونصف في سورة النور ، وقد نسخ الحكم السابق ، وجعل الزنا جريمة قانونية مستلزمة لمؤاخذة الشرطة والمحكمة9 .

9 . رجم المحصن :

الحد الذي أشارت إليه الآية الثانية في سورة النور ، إنما هو حد الزاني البكر الذي لم يتزوج ، أما حد الزنا بعد الإحصان والزواج فهو الرجم ، وقد ثبت من السنة الصحيحة بغير واحدة ولا اثنتين من الروايات الصحيحة ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام حد الرجم على الزاني المحصن ، ثم أقامه بعده خلفاؤه الراشدون – رضي الله عنهم – في عهودهم ، وأجمع على ذك الصحابة والتابعون ، حيث لا نكاد نجد لأحد منهم قولا ، يدل على أنه كان في القرن الأول رجل عنده شك في كون الرجم من الأحكام الشرعية الثابتة ، ثم ظل فقهاء الإسلام في كل عصر ومصر ، على كونه سنة ثابتة ، بأدلة متضافرة قوية لا مجال لأحد من أهل العلم أن يشك في صحتها . وقد خالف الجمهور في هذه القضية الخوارج وبعض المعتزلة . فرأوا أن لا عقوبة في الزنا غير مائة جلدة ، للمتزوج وغير المتزوج10 .

10 . الرجم في التوراة :

ورد في التوراة أن عقوبة الزاني المحصن الرجم ، جاء في سفر التثنية : ( وإذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل بالمدينة فاضطجع معها فأخرجوهما كليهما من المدينة وارجموهما حتى يموتا ، الفتاة من أجل أنها لن تصرخ في المدينة والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه ، فينتزع الشر من المدينة ، ولكن إن وجد الرجل الفتاة المخطوبة في الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها ؛ يموت الذي اضطجع معها وحده ، وأما الفتاة فلا يفعل بها شيء )11 .

11 . وردت أحاديث في صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، تفيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام حد الرجم على الزاني المحصن .

أخرج البخاري ، ومسلم : أن أعرابيين أتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ، إن ابني كان عسيفا – يعني أجيرا – على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى : الوليدة والغنم رد عليك ، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام ، واغد يا أنيس – لرجل من أسلم – إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) فغدا عليها فاعترفت فرجمها12 .

وعن ابن عباس : أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد . . أيها الناس ، فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن من الرجال ومن النساء ، إذا قامت البينة أو الحمل أو الاعتراف13 .

وفي رواية عنه : ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت14 .

وهناك طرق أخرى لهذه الرواية ، كلها متعددة ومتعاضدة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة ، فنسخت تلاوتها وبقى حكمها معمولا به ، والله أعلم .

وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ماعزا ) و ( الغامدية ) ، ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه جلدهما قبل الرجم ، ولهذا كان ذلك مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي15 - رحمهم الله – وذهب الإمام أحمد إلى أنه يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة ، كما روى الإمام أحمد ، وأهل السنن ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم )16 . وقد تمسك الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – بظاهر الآية فلم يجعل التغريب من الحد في شيء ، إنما هو مفوض إلى رأي الإمام وحكمه في ذلك حكم سائر التعزيرات .

وذهب الأئمة : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، والثوري ، والحسن بن صالح ، إلى أن التغريب من تمام الحد ، على تفصيل في ذلك .

12 – روي عن علي – رضي الله عنه – أنه قال في البكرين إذا زنيا : إنهما يجلدان ولا ينفيان ، وأن نفيهما من الفتنة . والأخبار المثبتة للنفي معارضة بغيرها ، وهي بعد لم تخرج عن كونها أخبار آحاد ، فليس بجائز أن تزيد في حكم الآية بهذه الأخبار ، لأنه يوجب النسخ ، خاصة أنه يمكن استعمالها على وجه لا يوجب النسخ في الآية ، ولا يدفع حكم الأخبار ، وذلك بإبقاء الآية على حكمها ، وأن الجلد هو تمام الحد ، وجعل النفي على وجه التعزير ، ويكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى في ذلك الوقت نفي البكر ، لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، فرأى ردعهم بالنفي بعد الجلد ، كما أمر بشق روايا الخمر وكسر الأواني ، لأنه أبلغ في الزجر وأحرى بقطع العادة17 .

13 . اللواط والسحاق :

ذهب الشافعية إلى أن حكم اللواط كحكم الزنا ، وقال بعض أصحاب الشافعي : إن اللواط زنا ، لأنه مثل الزنا في الصورة ، وفي المعنى ، فيكون اللائط زانيا فيدخل في عموم الآية ، وهي قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وقال بعض آخر من الشافعية : اللواط غير الزنا إلا أنه يقاس عليه ، بجامع كون الطبع داعيا إليه فيناسب الزاجر .

وقال أبو حنيفة : ليس في اللواط حد بل فيه تعزير ، لأنه وطء لا يتعلق به الحد ، ولأنه يساوي الزنا في الحاجة إلى شرع الحد ، لأن اللواط لا يرغب فيه المفعول به طبعا ، وليس فيه إضاعة النسب ، وأيضا فقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنا بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس بغير حق )18 . قد حظر قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث ، وفاعل اللواط خارج عن ذلك لأنه لا يسمى زانيا19 .

وقد اختلف الصحابة – رضوان الله عليهم – في حكم عمل قوم لوط وعقوبته ، فلو كانوا يعدونه من الزنا حسب الاصطلاح الإسلامي ، لما وجدنا بينهم أي خلاف في حكمه20 .

والمعلوم أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قضى في اللواط بشيء ، لأن هذا المنكر لم تعرفه العرب ، ولم يرفع إليه صلى الله عليه وآله وسلم حادثة منه ، ولكن ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )21 . رواه أصحاب السنن الأربعة وإسناده صحيح ، وقال الترمذي : حديث حسن . وحكم أبو بكر الصديق بقتل اللائط ، وكتب به إلى خالد بن الوليد بعد مشاورة الصحابة .

ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أن الحد في اللواط القتل ، وإنما اختلفوا في كيفيته ، فمنهم من قال : يرمى من شاهق ، ومنهم من قال : يهدم عليه حائط ، ومنهم من قال : يقتل رميا بالحجارة .

هذا ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في أن السحاق لم يشرع فيه إلا التعزير22 .

14 . الفعل الفاضح :

إذا وجد رجل مع امرأة في صورة مريبة ، ولم يثبت عليهما فعل الزنا فإنه يعاقب على هذا الفعل الفاضح بالتعزير ، والتعزير تأديب دون الحد ويرجع إلى تقدير القاضي للشخص ولطبيعة المخالفة . وإذا كان التعزير بالجلد فيجب أن يكون أقل من عشر جلدات ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ) رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود . وأما إذا جاء الشخص بنفسه إلى الحاكم ، معترفا بذنب دون فعل الزنا الكامل ، ومعلنا ندمه عليه ؛ فيكفي أن يلقن الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله . روى مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ، إني عالجت23 امرأة في أقصى المدينة ، وإني أصبت منها ما دون أن ألمسها24 فأنا هذا فاقض في ما شئت ، فقال له عمر : لقد سترك الله ، لو سترت نفسك . قال : ولم يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه شيئا . فقام الرجل فانطلق ، فأتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا فدعاه ، وتلا عليه هذه الآية : وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ . ( هود : 114 ) . فقال رجل من القوم : هذا له خاصة ؟ فقال : ( بل للناس كافة )25 .

بل لا تتيح الشريعة إذا جاء أحد إلى الحاكم معترفا بذنبه ولكن بألفاظ غير واضحة ، أن يكرهه الحاكم على التصريح بذنبه ، روى البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، عن أنس قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حدا فأقمه علي ، قال : ولم يسأله عنه ، وحضرت الصلاة ؛ فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة قام الرجل فقال : يا رسول الله ، أصبت حدا فأقم في كتاب الله ، قال : ( ألست قد صليت معنا ؟ ) قال : بلى ، قال : ( فإن الله قد غفر ذنبك أو حدك )26 .

15 . شروط جلد البكر :

( أ ) أن يكون عاقلا .

( ب ) أن يكون بالغا . فإذا اقترف الزنا مجنون أو صبي ؛ فلا يقام عليه الحد .

شروط رجم المحصن :

( أ‌ ) أن يكون عاقلا بالغا ، كما سبق في البكر .

( ب‌ ) أن يكون الجاني حرا ، فإن كان عبدا جلد خمسين جلدة .

( ت‌ ) ألا يكون الجاني قد عقد قرانه فحسب ، بل يكون قد تمتع بالدخول الصحيح على زوجته بعد زواجه .

( ث‌ ) أن يكون الجاني مسلما ، وفيه الخلاف بين الفقهاء ، يقول الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو يوسف – رحمهم الله - : إن كل من ارتكب الزنا بعد الزواج ، فإنه يرجم مسلما كان أو غير مسلم . ولكن أبا حنيفة ومالكا – رحمهما الله – متفقان على أن الرجم إنما هو للمسلم ، إذا ارتكب الزنا بعد زواجه .

وأقوى الدلائل على ذلك أنه لا بد لإقامة عقوبة شديدة كالرجم على أحد أن يكون في الإحصان الكامل ثم لا يرتدع عن الزنا ، ومعنى الإحصان الكامل : الإحصان الخلقي ، ويقين الفرد بالإيمان بالله ، وبأن الله مطلع عليه وعلى أعماله ، واليقين بالحساب والجزاء والثواب والعقاب في الآخرة .

روي عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال : من أشرك بالله فليس بمحصن . رواه ابن إسحاق في مسنده ، والدارقطني في سننه . أما الاستدلال بحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرجم على يهوديين زنيا في عهده فلا يصح ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم عليهما بما في التوراة ، وقد توافق حكم التوراة مع حكم الإسلام ، روى مسلم : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عند القضاء على اليهوديين : ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه )27 .

16 . الإكراه على الزنا :

من شروط إقامة الحد عدم الإكراه على الزنا ، فلو أكره رجل امرأة على الزنا ، أقيم الحد على الرجل دون المرأة . روى البخاري ، عن صفية بنت عبيد : أن عبدا من رقيق الإمارة ، وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها حتى أفتقها ؛ فجلده عمر ولم يجلدها من أجل أنه استكرهها28 .

17 . إقامة الحد مسئولية الحكومة :

إن القانون الإسلامي لا يجيز أحدا غير الحكومة أن يؤاخذ الزاني والزانية ، ولا يجيز أحدا غير المحكمة أن يقيم عليهما الحد ، فقد أجمع فقهاء الأمة على أن الخطاب في قوله تعالى : فاجلدوا . في الآية الثانية من سورة النور إنما هو لحكام الدولة الإسلامية وقضاتها ، وليس لعامة الناس وآحادهم .

18 . حكم التراضي بين المعتدى والمعتدى عليه :

إذا رفع الزاني إلى المحكمة ، فلا مجال لتراضي الناس فيما بينهم في جريمة الزنا ، لأن إقامة الحد حق من حقوق الله تعالى ، وهو وسيلة لطهارة المجتمع ونظافته ، فلا يملك الزوج أن يتنازل عن دعوى الزنا على زوجته أو يسقطها عنها ، كما نجد ذلك في القوانين الغربية ، التي يتعامل بها في كثير من البلاد الإسلامية ، وهي قوانين تقوم على الديوثة وقلة الحياء .

19 . عدالة الشهود :

( أ ) يجب أن يكون الشهود في الزنا عدولا صادقين غير متهمين في قضية سالفة ، وغير خائنين ، وألا يكون قد أقيم عليهم الحد من قبل ، وألا تكون بينهم وبين المتهم خصومة ، وعلى كل فإنه لا يجوز أن يرجم أو يجلد أحد بمجرد شهادة غير صحيحة .

( ب ) يجب أن يكون الشهود متفقين على أنهم رأوا فلانا يزني بفلانة بمكان كذا وساعة كذا .

( ج ) يجب أن تكون شهادتهم بأنهم رأوهما يزنيان ، وفرجه في فرجها كالميل في المكحلة ، أو القلم في الدواة ، أو الرشاء في البئر ، وإلا فاختلافهم في أحد هذه الأمور يسقط شهادتهم .

وشروط هذه الشهادة تدل بنفسها ، على أن القانون الإسلامي ليس سيفا مصلتا ، ولا سوطا مضروبا على ظهور الناس ، بل الحق أنه لا يعاقب بعقوبة شديدة كالجلد أو الرجم ، إلا إذا وجد في المجتمع الإسلامي رجل وامرأة لا يقيمان أدنى وزن للحياء ، ويأتيان بالفاحشة علنا على مرأى من الناس .

20 . حكم إقرار الزاني بالزنا :

يثبت الزنا بإقرار الجاني بجنايته ، ومن اللازم أن يكون هذا الإقرار بكلمات صريحة بارتكاب فعلة الزنا ، أي : على الجاني أن يقر بأنه قد زنى بامرأة محرمة عليه كالميل في المكحلة ، وعلى المحكمة أن تكون عل ثقة بأن الجاني إنما يقر بجنايته بنفسه ، أي بدون أي ضغط خارجي ، وليس به شيء من الجنون أو الاختلال في العقل .

وهنا اختلاف يسير بين الفقهاء ، فيقول أبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وابن أبي يعلى ، وإسحاق بن راهويه – رحمهم الله - : إن على الجاني أن يقر بجنايته أربع مرات بأربعة مجالس ، ويقول مالك ، والشافعي ، وعثمان البتى ، والحسن البصري – رحمهم الله - : إنه يكفي أن يقر الجاني بجنايته مرة واحدة .

وقد أقر ماعز ، فرده النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرارا وقال له : ( لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت ) ، قال : لا . فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( هل تعرف الزنا ) ؟ فقال : نعم ، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا . فعند ذلك أمر برجمه فرجم خارج المدينة29 . واعترفت الغامدية وكانت حبلى من الزنا ، فردها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ولدت ، ثم ردها ترضعه وتفطمه ، ثم جاءت به وفي يده كسرة خبز ، وقالت : يا نبي الله ، قد فطمته وقد أكل الطعام . فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها30 .

21 – صفة الجلد :

أمر الله تعالى بجلد الزناة ، والمراد : أن يصل السوط إلى الجلد ، فلا يحوز أن يكون شديدا حتى يصل إلى اللحم ، فكل ضرب يقطع اللحم أو ينزع الجلد ويجرح اللحم مخالف لحكم القرآن . ويجب أن يكون السوط وسطا ، لا رقيقا جدا ولا شديدا جدا ، بل يجب أن يكون بين اللين والشدة .

روى أبو عثمان النهدى قال : أتى عمر بسوط فيه شدة ، فقال : أريد ألين من هذا . فأتى بسوط فيه لين فقال : أريد أشد من هذا . فأتى بسوط بين السوطين ، فقال : اضرب ولا يرى إبطك – أي : لا تضرب بكل قوة يدك – وأعط كل عضو حقه . وروي مثل ذلك عن ابن مسعود ، وأنس بن مالك – رضي الله عنهما – والفقهاء متفقون على أن الضرب لا ينبغي أن يكون مبرحا أي موجعا ، ولا ينبغي أن يكون في موضع واحد من الجسد ، بل ينبغي أن يفرق على الجسد كله : حيث يأخذ كل عضو من أعضائه حقه ، إلا الوجه والفرج والرأس .

ولا ينبغي أن يتولى الجلد والضرب جلادون من الجهال غلاظ الأكباد ، بل يجب أن يتولاه رجال من أهل العلم والبصيرة ، يعلمون كيفية الضرب لتحقيق مقتضى الشريعة .

والجاني إذا كان مريضا لا يرجى شفاؤه أو كان فانيا ، يكفي أن يضرب بضربة واحدة بغصن عليه مائة فرع ، أو مكنسة فيها مائة عود ، حتى يتحقق مقتضى القانون ، انظر نظرة في هذه التفاصيل لقانون جلد الزاني في الإسلام ، ثم اعجب لجرأة الذين يقولون إنه عقوبة وحشية ، ويرون التهذيب كل التهذيب في عقوبة الضرب التي تجري اليوم في السجون ، ثم لا يخفى ما تنزل الشرطة اليوم من عقوبات قاسية ، تقشعر لسماعها الجلود ، لا على الجناة الذين تثبت جرائمهم فحسب ، بل على المشتبهين – ولا سيما السياسيين منهم – لغرض التفتيش والاستجواب .

22 . تحريم الشفاعة في الحدود :

ينبغي للحاكم إذا انتهى إليه الحد أن يقيمه ، قال تعالى : وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ . وهو نهي عن التخفيف في الجلد ، أو ترك الحد وإسقاطه ، وفيه دليل على أنه لا تجوز الشفاعة في إسقاط حد الزنا ، لأن فيه تعطيلا لإقامة حدود الله ، ليس لخصوصية في الزنا ، بل مثله مثل سائر الحدود تحرم الشفاعة فيها ، فقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على حبه أسامة بن زيد ، حين شفع في فاطمة بنت الأسود المخزومية وكانت قد سرقت قطيفة وحليا ، فقال له : ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ) ؟ 31 .

وفي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطب فقال : ( أيها الناس ، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )32 .

وعن ابن عمر – رضي الله عنه – أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى : فقد ضاد الله عز وجل )33 أخرجه أبو داود .

فلا يجوز أن يترك الجاني بعد ثبوت الجريمة عليه ، ولا أن يخفف من حده ، بل يجب أن يضرب مائة جلدة كاملة تحقيقا لقوله تعالى : وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ .

23 . إقامة الحدود علنا :

يجب أن يقام الحد علنا على مرأى من عامة الناس ومشهدهم ، قال تعالى : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ . والطائفة اثنان فصاعدا ، وقيل : أربعة بعد شهود الزنا ، وقيل : عشرة ، وأولى الأقوال بالصواب أن المراد هنا : جماعة يحصل بهم التشهير والزجر ، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص ونلحظ هنا أن أغراض الحدود في القانون الإسلامي ثلاثة :

1 – أن ينتقم من الجاني لاعتدائه .

2 - أن يردع عن إعادة الجريمة .

3 – أن تجعل من عقوبته عبرة ، حتى تجرى مجرى عملية الجراحة الذهنية ، على أناس في المجتمع ، قد تكون في قلوبهم غرائز سيئة ، فلا يجترئون على ارتكاب مثل هذه الجريمة في المستقبل ، ومن فوائد إقامة الحدود علنا ، أن الحكام قلما يجترئون على التخفيف من العقوبة ، أو الزيادة فيها على وجه غير مشروع .

24 . الزنا بالمحارم :

الزنا بالمحارم كالأخت والبنت ، جناية مغلظة تؤاخذ عليها شرطة الدولة ، وقد جاءت عدة روايات في سنن أبي داود ، والنسائي ، ومسند أحمد ، تفيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاقب من ارتكب هذه الجناية بالقتل ومصادرة الأموال ، وأما الرواية التي نقلها ابن ماجة عن ابن عباس ، فقد بين فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاعدة الكلية الآتية : من وقع على ذات محرم فاقتلوه )34 .

والفقهاء بينهم خلاف حول هذه المسألة ، فالذي يراه الإمام أحمد أن يقتل الرجل وتصادر أمواله حسب ما جاء في روايته ، وروايات أبي داود والنسائي ، ويرى أبو حنيفة ومالك والشافعي – رحمهم الله – أنه إن زنى بذات محرم من محارمه أقيم عليه حد الزنا ، وإن نكحها ووطئها عوقب عقابا أليما يعتبر به غيره .

25 . الشذوذ :

حرم الإسلام اللواط لأنه خروج على الفطرة ، فالله خلق الزوجين الذكر والأنثى ، وجعل الاستمتاع بينهما طبيعيا وفطريا ، وخلق الرجل والمرأة ليكمل كل منهما صاحبه بالزواج ، فاستغناء الرجال بالرجال ، يقابله استغناء النساء بالنساء ، وهو لون من الشذوذ والخروج على أوامر الله .

ومن المحرم شرعا أن يأتي الرجل عمل قوم لوط بامرأته ، ففي سنن أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( ملعون من أتى المرأة في دبرها )35 . ونقل ابن ماجة ، وأحمد ، أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها ) ، وفي رواية للترمذي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه ؛ فقد كفر بما أنزل على محمد )36 .

أما إتيان البهيمة ، فيعده بعض الفقهاء من الزنا ويرون عليه حده ، إلا أن أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمدا ، وزفرا ، ومالكا ، والشافعي – رحمهم الله – يقولون : إنه ليس بالزنا فلا يستحق مرتكبه الحد ، وإنما يستحق التعزير ، والتعزير موكول إلى القاضي ، أو لمجلس الشورى في الدولة أن يقرر له حدا إن رأى إليه حاجة . وينبغي للدولة أن تسهر على حماية أبنائها من الانحراف ومن شيوع الفاحشة ، وأن تعمل على تيسير الحلال ، وأن تغلق منافذ الشرور والآثام .

26 . من هدي السنة :

بينت أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أضرار الزنا الصحية والنفسية والدينية ، فالزاني يتعرض لأمراض خطيرة مثل الزهري والسيلان وغير ذلك من الأمراض الفتاكة ، ويتعرض الزاني لأمراض نفسية لأنه عنصر فاسد ينتهك الأعراض ، ويرتكب الموبقات ، وعقوبة الزنا شديدة في الآخرة ، لمخالفة الزاني لأمر الله ، وتعديه على حدود الله .

1 . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

( يا معشر الناس ، اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا عاهدتم ، وأدوا الأمانة إذا اؤتمنتم ، وغضوا أبصاركم ، واحفظوا فروجكم ، وكفوا أيديكم )37 .

2 . روى البخاري في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال :

( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، بل ينزع إيمانه كالظلة فإذا نزع عاد إليه )38 .

3 . روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ، فالعينان تزنيان وزناهما النظر ، والرجلان تزنيان وزناهما الخطا ، واليدان تزنيان و زناهما اللمس ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه )39 .

4 . وفي الأثر :

( يا معشر الناس ، اتقوا الزنا ، فإن فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة ، أما التي في الدنيا : فيورث الفقر ، ويذهب البهاء ، وينقص العمر ، وأما التي في الآخرة : فسخط الله ، وسوء الحساب ، وعذاب النار ) .