وقيل قوله : { الزانية والزاني } تفصيل ما أجمل من الآيات البينات ، والزنا هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح وقيل هو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا و { الزانية } هي المرأة المطاوعة للزنا ، الممكنة منه ، كما تنبئ عنه الصيغة المكرهة ، وكذلك { الزاني } وتقديم الزانية على الزاني لأنها الأصل في الفعل لكون الداعية فيها أوفر ، ولولا تمكينها منه لم يقع ، قاله أبو سعود ؛ إنما قدمت المرأة هنا وأخرت في آية حد السرقة لأن الزنا إنما يتولد بشهوة الوقاع ، وهي في المرأة أقوى وأكثر ، والسرقة إنما تتولد من الجسارة والقوة والجرأة ، وهي في الرجل أقوى وأكثر ، قاله الكرخي .
وقيل وجه تقدين الزانية على الزاني ههنا أن الزنا في ذلك الزمان كان في النساء أكثر حتى كان لهن رايات تنصب على أبوابهن ليعرفهن من أراد الفاحشة منهن ، وقيل لأن العار فيهن أكثر ، إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكر الزانية تغليظا واهتماما .
{ فاجلدوا } الجلد الضرب ، يقال : جلده إذا ضرب جلده ، مثل بطنه إذا ضرب بطنه ورأسه إذا ضرب رأسه ، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط على مذهب الأخفش ، وعلى مذهب سيبويه التقدير فيما يتلى عليكم حكم الزانية ؛ ثم بين ذلك بقوله : { فاجلدوا } والخطاب في هذه الآية الكريمة للأئمة ومن قام مقامهم ، وقيل للمسلمين أجمعين لأن إقامة الحدود واجبة عليهم جميعا ، والإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود . { كل واحد منهما مائة جلدة } هو حد الزاني الحر البالغ البكر ، وكذلك الزانية ، وثبت بالسنة زيادة على هذا الجلد وهو تغريب عام وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : التغريب إلى رأي الإمام ، والحديث يرده ، وقال مالك : يجلد الرجل ويغرب ، وتجلد المرأة ولا تغرب ، وأما المملوك والمملوكة فجلد كل واحد منهما خمسين جلدة لقوله سبحانه : { فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وهذا نص في الإماء ألحق بهن العبيد لعدم الفارق .
وأما من كان محصنا من الأحرار فعليه الرجم بالسنة الصحيحة المتواترة ؛ وبإجماع أهل العلم ، بل القرآن المنسوخ لفظه ، الباقي حكمه وهو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ، وزاد جماعة من أهل العلم مع الرجم جلد مائة ، وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في ذلك في شرحه للمنتقي ، وقد مضى الكلام في حد الزنا مستوفى ، وهذه الآية ناسخة لآية الحبس آية الأذى اللتين في سورة النساء ، وزاد النسفي والتغريب منسوخ بالآية ، وليس بصحيح فقد أثبتته السنة الصحيحة كما أشرنا إليه .
{ وَلَا تَأْخُذْكُم } بالتأنيث مراعاة للفظ ، وبالياء لأنه مجازي ، وللفصل بالمفعول والجار { بِهِمَا رَأْفَةٌ } يقال رأف يرأف ، على وزن فعلة ، ورأفة على وزن فعالة ، مثل النشأة والنشاءة ، وكلاهما بمعنى الرقة والرحمة . وقيل هي أرق الرحمة وأشدها .
{ فِي دِينِ اللَّهِ } أي في طاعته وحكمه ، كما في قوله : ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ، أي لا يأخذهم الدين في استيفاء الحدود فتعطلوها ، وهذا قول مجاهد وعكرة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي . وقيل تخففوا الضرب ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن .
قال الزهري : يجتهد في حد الزنا والفرية ، أي القذف ، ويخفف في حد الشرب . وقيل يجتهد في حد الزنا ويخفف دون ذلك في حد القذف ودونه في حد الشرب ، ثم قال : مثبتا للمأمورين ومهيجا لهم .
{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال لا تعطلوا الحدود ، وفي إلهاب الغضب لله ولدينه ، وذلك لأن الإيمان بهما يقتضي التجلد في طاعة الله وفي إجراء أحكامه ، وذكر اليوم الآخر لتذكير ما فيه من العقاب في مقابلة المسامحة في الحدود وتعطيلها ، والحاصل أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ويستعملوا الحث والمتانة ولا يأخذهم اللين والهوان في استيفاء حدود الله ، وكفى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة في ذلك حيث قال : " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " {[1273]} .
{ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } أي لتحضر الجلد إذا أقيم عليها زيادة في التنكيل بهما وشيوخ العار عليها واشتهار فضيحتها { طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } ندبا ، والطائفة الفرقة التي تكون حافة حول الشيء من الطوف ، وأقلها ثلاثة ، لأنه أقل الجميع ، وقيل اثنان . قاله عكرمة . وقيل واحد . قاله مجاهد . وقيل أربعة لأنهم عدد شهود الزنا . وقيل عشرة .
قال ابن عباس : الطائفة الرجل فما فوقه ، ولا يجب على الإمام حضور رجم ، ولا على الشهود ، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضر رجمها ، وإنما خص المؤمنين بالحضور لأن ذلك أفضح ، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل ، وتسمية الجلد عذابا دليل على أنه عقوبة ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.