الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

قوله : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } : في رفعهما وجهان : مذهب سيبويه أنَّه مبتدأٌ ، وخبرُه محذوفٌ أي : فيما يُتْلَى عليكم حكمُ الزانية . ثم بَيَّن ذلك بقوله : { فَاجْلِدُواْ } إلى آخره . والثاني وهو مذهبُ الأخفش وغيرِه : أنه مبتدأٌ . والخبرُ جملة الأمر . ودخلت الفاءُ لشِبْه المبتدأ بالشرط . وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المسألةِ مستوفىً عند قولِه { وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا } [ النساء : 16 ] وعند قولِه { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } [ المائدة : 38 ] فأغنى عن إعادتِه .

وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وشيبة ورُوَيْس بالنصبِ على الاشتغال . قال الزمخشري : " وهو أحسنُ مِنْ " سورةً أنزلناها " لأجلِ الأمر . وقُرِىء " واللذَّانِ " بلا ياءٍ .

قوله : { رَأْفَةٌ } قرأ العامَّةُ هنا ، وفي الحديد ، بسكون الهمزة ، وابنُ كثير بفتحها . وقرأ ابن جُرَيْج وتُروى أيضاً عن ابن كثير وعاصم " رَآفة " بألفٍ بعد الهمزة بزنةِ سَحابة ، وكلُها مصادِرُ ل رَأَفَ به يَرْؤُف . وقد تقدَّم معناه . وأشهرُ المصادرِ الأولُ . ونقل أبو البقاء فيها لغةً رابعةً : وهي إبدالُ الهمزةِ ألفاً . ومثلُ هذا ظاهرٌ غيرُ محتاجٍ للتنبيهِ عليه فإنها لغةٌ مستقلةٌ وقراءةٌ متواترة .

وقرأ العامَّةُ " تَأْخُذْكم " بالتأنيثِ مراعاةً للَّفظِ . وعلي بن أبي طالب والسُّلمي ومجاهد بالياء مِنْ تحتُ ؛ لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ وللفصلِ بالمفعولِ والجارِّ . و " بهما " متعلقٌ ب " تَأْخُذْكم " أو بمحذوفٍ على سبيل البيانِ . ولا يتعلَّقُ ب " رَأْفة " لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه ، وفي " دين الله " متعلقٌ بالفعلِ قبله أيضاً . وهذه الجملةُ دالَّةٌ على جوابِ الشرطِ بعدَها ، أو هي الجوابُ عند بعضِهم .