الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } إذا كانا حُرّين بالغين بكرين غير محصنين { فَاجْلِدُواْ } فاضربوا { كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } رحمة ورقّة .

قال الأخفش : رحمة في توجّع وفيها ثلاث لغات : رأفة ساكنة الهمز وقد تخفف الهمزة ، وهي قراءة العامة ، ورأَفة بفتح الهمزة ، ورآفة مهموزة ممدودة مثل الكتابة ، وهما قراءة أهل مكة مثل الشناة والشنآة ، وقيل : القصر على الاسم والمدّ بمعنى المصدر مثل صؤل صآلةً ، وقبح قباحة ، ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لأنّ العرب لا تجمع بين أكثر من ثلاث فتحات .

واختلف العلماء في معنى الآية فقال قوم : ولا تأخذكم بهما رأفة فتعطلّوا الحدود ولا تقيموها .

روى المعمّر عن عمران قال : قلت لأبي مخلد في هذه الآية : واللّه إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل أو تقطع يده فقال : إنّما ذاك أنّه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم عليهم الحدّ ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي وابن زيد وسليمان بن يسار ، يدلّ عليه من الآية أنّ اللّه سبحانه وتعالى أمر بالجلد ، وهو ضرب الجلد كالرأس لضرب الرأس فذكر الضرب بلفظ الجلد لئلاّ ينكأ ولا يبرح ولا تبلغ به اللحم .

وروى ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر جلد جارية له فقال للجالد : اجلد ظهرها ورجليها وأسفلها وخفّفها ، قلت : فأين قول الله سبحانه { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } ؟

قال : أفأقتلها ؟ إنَّ الله أمرني أن أضربها وأؤدّبها ولم يأمرني أن أقتلها .

وقال الآخرون : بل معناها ولا يأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضرباً ، وهو قول سعيد بن المسيّب والحسن .

قال الزهري : يجتهد في حدّ الزنا والفرية ويخفّف في حدّ الشراب .

وقال قتادة : يخفّف في حدّ الشراب والفرية ويجتهد في الزنا .

وقال حمّاد : يُحدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما ، وأمّا الزاني فيخلع ثيابه ، وتلا هذه الآية .

{ فِي دِينِ اللَّهِ } أي في حكم الله نظيره قوله سبحانه

{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ } [ يوسف : 76 ] .

{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } وليحضر حدّيهما إذا أُقيم عليهما { طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } اختلفوا في مبلغ عدد الطائفة فقال النخعي ومجاهد : أقلّه رجل واحد فما فوقه ، واحتجّا بقوله

{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] الآية . عطاء وعكرمة : رجلان فصاعداً ، الزهري : ثلاثة فصاعداً ، ابن زيد : أربعة بعدد من يقبل شهادته على الزنى ، قتادة : نفر من المسلمين .

روى حفص بن غياث عن أشعث عن أبيه قال : أتيت أبا برزة الأسلمي في حاجة وقد أخرج جارية له إلى باب الدار وقد زنت وولدت من الزنا ، فألقى عليها ثوباً وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضرباً غير مبرح ، ودعا جماعة ثم قرأ { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدَّثنا أبو علي بن حنش المقري قال : حدَّثنا محمد بن أحمد ابن عثمان قال : حدَّثنا إبراهيم بن نصره قال : حدَّثنا مسدّد قال : حدَّثنا إسماعيل قال : حدَّثنا يونس بن عبيد عن حريز بن يزيد البجلي عن أبي زرعة عن عمرو بن حريز عن أبي هريرة قال : إِقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة .

وأخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال : حدَّثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد ابن عدي قال : أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال : أخبرني محمد بن شعيب قال : أخبرني معاوية بن يحيى عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حذيفة " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " يا معشر الناس اتقوا الزنى فإنَّ فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، فأمّا اللاتي في الدنيا فيذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر ، وأمّا اللاتي في الآخرة فيوجب السخطة وسوء الحساب والخلود في النار " " .

وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة قرأه عليه في شهور سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد بن مسلم قال : حدّثنا عطية بن بقية قال : حدَّثنا أبي قال : حدّثني عبّاد بن كثير عن عمران القصير عن أنس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ أعمال أُمَتي تُعرض علىّ في كلّ جمعة مرّتين فاشتدّ غضب الله على الزناة " .

وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدَّثنا إبراهيم بن يزيد الحرّاني قال : حدَّثنا المغيرة ابن سقلاب قال : حدَّثنا النضر بن عدي عن وهب بن منبه قال : مكتوب في التوراة : الزاني لا يموت حتى يفتقر ، والقوّاد لا يموت حتى يعمى .