مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

ثم فصل أحكامها فقال { الزانية والزانى } رفعهما على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزاني أي جلدهما ، أو الخبر { فاجلدوا } ودخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمينه معنى الشرط وتقديره : التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما تقول من زنى فاجلدوه . وكقوله : { والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فاجلدوهم } [ النور : 4 ] . وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من { سورة أنزلناها } لأجل الأمر .

{ فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } الجلد ضرب الجلد وفيه إشارة إلى أنه لا يبالغ ليصل الألم إلى اللحم . والخطاب للأئمة لأن إقامة الحد من الدين وهي على الكل إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم ، وهذا حكم حر ليس بمحصن إذ حكم المحصن الرجم وشرائط إحصان الرجم : الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوج بنكاح صحيح والدخول . وهذا دليل على أن التغريب غير مشروع لأن الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو اسم للكافي ، والتغريب المروي منسوخ بالآية كما نسخ الحبس والأذى في قوله { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى البيوت } وقوله { فَئَاذُوهُمَا } [ النساء : 15 ] بهذه الآية { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } أي رحمة والفتح لغة وهي قراءة مكي . وقيل : الرأفة في دفع المكروه والرحمة في إيصال المحبوب . والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخففوا الضرب { فِى دِينِ الله } أي في طاعة الله أو حكمه { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر } من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه ، وجواب الشرط مضمر أي فاجلدوا ولا تعطلوا الحد { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } وليحضر موضع حدهما وتسميته عذاباً دليل على أنه عقوبة { طَائِفَةٌ } فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وينزجر هو وأقلها ثلاثة أو أربعة وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول شيء . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أربعة إلى أربعين رجلاً { مِنَ المؤمنين } من المصدقين بالله .