لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

والعقوبة على الزنا شديدة أكيدة ، ولكن جعل إثباتَ أمره وتقريرَ حُكْمِه والقطعَ بكونه على أكثر الناسِ خصلةً عسيرةً بعيدةً ؛ إذ لا تُقْبَلُ الشهادةُ عليه حتى يقولُ : رأيتُ ذلك منه في ذلك منها ! وذلك أمرٌ ليس بالهيِّن ، فسبحان مَنْ أَعْظَمَ لا عقوبةَ على تلك الفَعْلَةِ الفحشاء ، ثم جعل الأمر في إثباتها بغاية الكدِّ والعناء ! وحين اعترف واحدٌ له بذلك قال له صلى الله عليه السلام : " لعلَّك قَبَّلْتَ . . . لعلَّك لامَسْتَ " وقال لبعض أصحابه . " استنكهوه " وكلُّ ذلك رَوْماً لِدَرْءِ الحدِّ عنه ، إلى أن ألحَّ وأصرَّ على الاعتراف .

قوله جل ذكره : { وَلاَ تَأْخُذُكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ } .

ما يأمر به الحقُّ فالواجب مقابلته بالسمع والطوع .

والرحمة من موجب الشرع وهو المحمود ، فأمّا ما يقتضيه الطَّبعُ والعادة والسوء فمذمومٌ غيرُ محمود . ونهى عن الرحمة على من خَرَقَ الشرعَ ، وتَرَكَ الأمرَ ، وأساءَ الأدبَ ، وانتصبَ في مواطنِ المخالفة .

ويقال نهانا عن الرحمة بهم ، وهو يرحمهم بحيث لا يمحو عنهم - بتلك الفَعْلة الفحشاء - رقم الإيمان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " ولولا رحمته لما استبقى عليه حُلّة إيمانه مع قبيح جُرْمِهِ وعصيانه .

قوله جل ذكره : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهُما طَآئِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنينَ } .

أي ليَكُونَ عليهم أشَدَّ ، وليكون تخويفاً لمتعاطي ذلك الفعل ، ثم من حقِّ الذين يشهدون ذلك الموضعَ أن يتذكروا عظيمَ نعمةِ الله عليهم أنهم لم يفعلوا مِثْله ، وكيف عَصَمَهم من ذلك . وإن جرى منهم شيءٌ من ذلك يذكروا عظيمَ نعَمةِ الله عليهم ؛ كيف سَتَرَ عليهم ولم يفضحهم ، ولم يُقِمْهم في الموضع الذي أقام فيه هذا المُبْتَلَى به وسبيلُ من يشهد ذلك الموضعَ ألا يُعَيِّرَ صاحبَه بذلك ، وألا ينسى حُكْمَ الله تعالى في إقدامه على جُرْمِه .