جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

{ الزَّانِيَةُ{[3487]} وَالزَّانِي } ، رفعهما على الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : جلدهما فيما فرض عليكم أو خبره قوله : { فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } ، والفاء لتضمنها معنى الشرط إذ اللام فيها بمعنى الذي ، والجلد ضرب الجلد ، وهذا مطلق محمول على بعض هو حر بالغ عاقل ما جامع في نكاح شرعي ، فإن حكم من جامع فيه الرجم لأحاديث الصحاح ، والآية الرجم المنسوخ لفظها دون معناها ، وعند بعض{[3488]} الإسلام شرط آخر ، { وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ } : رحمة ، { في دِينِ اللَّهِ } ، فتعطلوا أحكامه ، أو تسامحوا فيها ، { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } ، فإن الإيمان يقتضي الصلابة في دينه ، والاجتهاد في إقامة أحكامه ، { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، أي : يجلد بحضرة طائفة من المؤمنين أقلها أربعة أو ثلاثة أو اثنان أو واحد{[3489]} للشهرة ، والتخجيل ، فإن الفاسق بين المؤمنين الصالحين أخجل ، وعن بعض إنما ذلك لأن يدعوا الله له بالتوبة .


[3487]:قدمت الزانية لقلة عقلها التي هي الموجبة للفاحشة، وزناها أفحش لوجوه / 12 وجيز قال الشيخ ابن القيم في (الهدى)، (فصل) وأما نكاح الزانية فقد صرح سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك فإنه إما يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يلتزمه ولم يعقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال: {وحرم ذلك على المؤمنين} ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله تعالى: {وانكحوا الأيامى منكم} من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنا إذ يصير [كذا في زاد المعاد (5/ 114)، وفي المطبوع (تصير) والصحيح المثبت)] معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا تزني بها إلا زان أو مشرك وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا، وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان وهو العفة فقال: (أنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)، فإنما أباح نكاحها في هذا الحال دون غيرها، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، فإن الإبضاع في الأصل على التحريم فيقصر في إباحتها على ما ورد به الشرع وما عداه فعلى أصل التحريم، وأيضا فإنه سبحانه قال: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) والخبيثاث: الزواني، وهذا يقضي أن من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن، وأيضا فمن أقبح القبائح أن يكون الرجل زوج بغي، وقبح هذا مستقر في فطر الخلق وهو عندهم غاية المسبة، وأيضا فإن البغي لا يؤمن [كذا في زاد المعاد (5/ 115) وفي المطبوع (تؤمن) والصحيح المثبت] أن تفسد على الزوج فراشه وتعلق عليه أولادا من غيره، والتحريم يثبت بدون هذا، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المرأة التي وجدها حبلى من الزنا وبين زوجها، وأيضا فإن مرثد بن أبي مرثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عناق وكانت بغيا فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النور وقال لا تنكحها انتهى بلفظه [زاد المعاد (5/115)]. وقال رحمه الله في (الهدي) في حكم عدم جواز وطء الحامل قبل وضع الحمل، والذي يقتضي منه العجب، تجويز من جوز من الفقهاء الأربعة العقد على الزانية قبل استبرائها ووطئها عقيب العقد فتكون الليلة عند الزاني وقد علقت منه، والليلة التي تليها فراشا للزواج، ومن تأمل كمال هذه الشريعة علم أنها تأبى ذلك كله كل الإباء وتمنع منه كل المنع، ومن محاسن مذهب الإمام أحمد قدس الله روحه أن حرم نكاحها بالكلية حتى تتوب ويرتفع عنها اسم الزانية والبغي والفاجرة، فهو –رحمه الله- لا يجوز أن يكون الرجل زوج بغي ومنازعوه ويجوزون ذلك، وهو،أسعد منهم في هذه المسألة بالأدلة نصا كلها من النصوص والآثار والمعاني والقياس والمصلحة والحكمة وتحريم ما رآه المسلمون قبيحا، والناس إذا بالغوا في سبب الرجل صرحوا له بالزاني والقاذف فكيف تجوز الشريعة مثل هذا. انتهى بلفظه.
[3488]:هو أبو حنيفة رضي الله عنه /12.
[3489]:قال النخعي ومجاهد: الطائفة تقع على واحد وبه قال أحمد رضي الله عنه12 منه.