معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

قوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } أراد إذا كانا حرين بالغين عاقلين بكرين غير محصنين فاجلدوا : فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، يقال جلده إذا ضرب جلده ، كما يقال رأسه وبطنه ، إذا ضرب رأسه وبطنه ، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم ، وقد وردت السنة أنه يجلد مائة ويغرب عاماً وهو قول أكثر أهل العلم ، وإن كان الزاني محصناً فعليه الرجم ، ذكرناه في سورة النساء . { ولا تأخذكم بهما رأفة } أي : رحمة ورقة ، وقرأ ابن كثير ( رأفة ) بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديث أنها ساكنة لمجاورة قوله ورحمة ، والرأفة معنى يكون في القلب ، لا ينهى عنه لأنه لا يكون باختيار الإنسان .

روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت ، فقال للجلاد : اضرب ظهرها ورجليها ، فقال له ابنه : لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، فقال يا بني إن الله عز وجل لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فأوجعت . واختلفوا في معنى الآية ، فقال قوم : ( لا تأخذكم بهما رأفة ) فتعطلوا الحدود ولا تقيموها ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي . وقال جماعة : معناها ولا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضرباً ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن ، قال الزهري : يجتهد في حد الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب . وقال قتادة : يجتهد في حد الزنا ويخفف في الشرب والفرية . { في دين الله } أي : في حكم الله ، { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله تعالى . { وليشهد } وليحضر ، { عذابهما } حدهما إذا أقيم عليهما { طائفة } نفر ، { من المؤمنين } قال مجاهد والنخعي : أقله رجل واحد فما فوق ، وقال عكرمة وعطاء : رجلان فصاعداً . وقال الزهري وقتادة : ثلاثة فصاعداً . وقال مالك وابن زيد : أربعة بعدد شهود الزنا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها ، فقال : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين ، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة ، وأما الثيب ، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ، أن حده الرجم ، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [ بهما ] في دين الله ، تمنعنا من إقامة الحد عليهم ، سواء رأفة طبيعية ، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك ، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله ، فرحمته حقيقة ، بإقامة حد الله عليه ، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه ، فلا نرحمه من هذا الجانب ، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة ، أي : جماعة من المؤمنين ، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع ، وليشاهدوا الحد فعلا ، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل ، مما يقوى بها العلم ، ويستقر به الفهم ، ويكون أقرب لإصابة الصواب ، فلا يزاد فيه ولا ينقص ، والله أعلم .