ولما فرغ من وعظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم أتبعه تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل بهم من الرفق{[19582]} والللين مع ما سبب الغضب الموجب للعنف والسطوة من{[19583]} اعتراض {[19584]}من اعترض{[19585]} على ما أشار به ، ثم مخالفتهم لأمره في حفظ المركز والصبر والتقوى ، ثم خذلانهم له وتقديم أنفسهم على نفسه الشريفة ، ثم{[19586]} عدم{[19587]} العطف عليه وهو يدعوهم إليه ويأمر{[19588]} بإقبالهم عليه ، ثم اتهام من اتهمه . إلى غير ذلك من الأمور التي توجب لرؤساء الجيوش وقادة الجنود اتهام أتباعهم وسوء الظن بهم الموجب للغضب والإيقاع ببعضهم ليكون ذلك زاجراً{[19589]} لهم عن العود إلى مثله فقال تعالى : { فبما رحمة من الله } أي{[19590]} الذي له الكمال كله { لنت لهم } أي ما لنت{[19591]} لهم هذا اللين الخارق للعادة{[19592]} ورفقت بهم هذا الرفق بعدما فعلوا بك إلا بسبب رحمة عظيمة من الله الحائز لجميع الكمال ، فقابلتهم بالجميل ولم تعنفهم بانهزامهم عنك بعد إذ خالفوا رأيك ، وهم كانوا سبباً لاستخراجك ؛ والذي اقتضى هذا الحصر هو ما{[19593]} لأنها نافية في سياق الإثبات فلم يمكن{[19594]} أن توجه إلا{[19595]} إلى ضد ما أثبته{[19596]} السياق ، ودلت زيادتها على أن تنوين{[19597]} " رحمة " للتعظيم ، أي فبالرحمة{[19598]} العظيمة لا بغيرها لنت .
ولما بين سبحانه وتعالى سبب هذا اللين المتين بين ثمرته{[19599]} ببيان ما في ضده من الضرر فقال : { ولو كنت فظّاً } أي سيىء الخلق جافياً في القول { غليظ القلب } أي قاسية لا تتأثر بشيء{[19600]} ، تعاملهم بالعنف والجفاء { لانفضّوا } أي تفرقوا تفرقاً{[19601]} قبيحاً {[19602]}لا اجتماع{[19603]} معه { من حولك } أي ففات المقصود من البعثة .
ولما أخبره{[19604]} سبحانه وتعالى أنه هو{[19605]} عفا عنهم ما فرطوا في حقه أمره بالعفو عنهم فيما يتعلق به صلى الله عليه وسلم ، وبالاستمرار على مشاورتهم عند النوائب لئلا يكون خطؤهم في الرأي - أولاً في الخروج من المدينة .
وثانياً في تضييع المركز ، وثالثاً في إعراضهم عن الإثخان في العدو بعد الهزيمة الذي ما شرع القتال إلا لأجله بإقبالهم عن النهب ، ورابعاً{[19606]} في {[19607]}وهنهم عند كر العدو{[19608]} إلى غير ذلك - موجباً لترك مشاورتهم ، فيفوت ما فيها من المنافع في نفسها وفيما تثمره{[19609]} من التألف والتسنن{[19610]} وغير ذلك فقال سبحانه وتعالى : { فاعف عنهم } أي ما فرطوا في هذه الكرة في حقك { واستغفر لهم } أي الله سبحانه وتعالى لما فرطوا في حقه { وشاورهم } أي استخرج{[19611]} آراءهم { في الأمر } أي الذي تريده من أمور الحرب تألفاً لهم وتطييباً لنفوسهم ليستن{[19612]} بك من بعدك { فإذا عزمت } أي بعد ذلك على أمر فمضيت فيه ، وقراءة من ضم التاء للمتكلم بمعناها ، أي فإذا فعلت أنت أمراً بعد المشاورة لأني فعلت فيه - بأني أردته - فعل العازم .
ولما أمر بالمشاورة التي هي النظر في الأسباب أمر بالاعتصام بمسببها من غير التفات إليها ليكمل جهاد الإنسان بالملابسة ثم التجرد فقال : { فتوكل } أي فيه { على الله{[19613]} } أي الذي له الأمر كله ، ولا يردك عنه خوف عاقبة - كما فعلت بتوفيق الله في هذه الغزوة ، ثم علل ذلك بقوله{[19614]} : { إن الله } أي الذي لا كفوء له{[19615]} { يحب المتوكلين * } أي فلا يفعل بهم إلا ما فيه{[19616]} إكرامهم وإن رُئي غير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.