مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ} (159)

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ } «ما » مزيدة للتوكيد والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله . ومعنى الرحمة ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً } جافياً { غَلِيظَ القلب } قاسيه { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم { فاعف عَنْهُمْ } ما كان منهم يوم أحد مما يختص بك { واستغفر لَهُمُ } فيما يختص بحق الله إتماماً للشفقة عليهم { وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمر } أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييباً لنفوسهم وترويحاً لقلوبهم ورفعاً لأقدارهم ، ولتقتدي بك أمتك فيها . في الحديث " ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومعنى شاورت فلاناً أظهرت ما عندي وما عنده من الرأي . وشرت الدابة استخرجب جريها ، وشرت العسل أخذته من مآخذه ، وفيه دلالة جواز الاجتهاد وبيانا أن القياس حجة { فَإِذَا عَزَمْتَ } فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى { فَتَوَكَّلْ عَلَى الله } في إمضاء أمرك على الأرشد لا على المشورة { إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين } عليه والتوكل الاعتماد على الله والتفويض في الأمور إليه . وقال ذو النون : خلع الأرباب وقطع الأسباب