تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ} (159)

{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .

المفردات :

لنت لهم : رفقت بهم .

فظا : الفظ سيئ الخلق .

غليظ القلب : قاسية .

التفسير :

159- { فبما رحمة من الله لنت لهم . . } الآية

بيان لعظم حلم النبي صلى الله عليه وسلم ورحمة الله به وبهم بعدما كان منهم من مخافة أمر الرسول وفرارهم كما سبق بيانه .

أي : فبسبب رحمة واسعة من الله بك وبهم وفقك اله للصفح عنهم : فلنت لهم ووفقت بهم ولم تغلظ عليهم في الملام مع انهم فعلوا ما يقتضي أشد التعنيف إذ ترك أكثر الرماة أماكنهم فوق الجبل واشتغلوا بجمع الغنيمة فمكنوا المشركين من صعوده مكانهم وقلب ميزان المعركة لصالحهم وترتب عليه أن أكثر الجيش فر وترك الرسول في قلة من أصحابه فناله من أذى المشركين ما ناله حتى أرجفوا بقتله . . فكان لين الرسول معهم بعد ذلك رحمة من رحمات الله به وبهم إذ كان سببا في بقاء الإسلام وجمع قلوب المسلمين .

ولذا قال سبحانه وتعالى :

{ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }

أي : ولو كنت جافي الطبع قاسي القلب فعاملتهم بقسوة وعنفتهم على ما كان منهم وأشحت عنهم غضبا عليهم لنفرت قلوبهم منك فتفرقوا عنك ولم تستطع أداء رسالتك وتبليغ دعوتك على وجهها الأكمل .

فلينه صلى الله عليه وسلم معهم على خطئهم وعفوه عنهم لم يكن عن ضعف وإنما كان ناشئا عن الرحمة التي فطره الله عليها .

فاعف عنهم واستغفر لهم

قال صاحب الكشاف : اعف عنهم فيما يتعلق بحقك واستغفر لهم فيما يتعلق بحق الله .

وشاورهم في الأمر .

أي : في أمر الحرب وغيره من كل أمر له خطر ولم ينزل في شأنه وحي استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم ورفعا لأقدارهم وتقريرا لسنة التشاور في الأمة الإسلامية .

وقد جاء في الكشاف : وعن الحسن رضي الله عنه : قد علم اله ما به إليهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده .

وقيل : كانت العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم ذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استقلاله بالرأي دونهم وكان صلى الله عليه وسلم يدرك تمام الإدراك ما للمشاورة من أثر في الوصول إلى الصواب .

وفي ذلك يقول صلى اله عليه وسلم : " ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم " 125 .

فإذا عزمت فتوكل على الله .

أي : فإذا استقر رأيك وسكنت نفسك بعد المشاورة فامض الأمر ولا تتردد وتوكل على الله في تنفيذها ما عزمت عليه فإنه هو المعين لك في أمور الدين والدنيا .

إن الله يحب المتوكلين . عليه في جميع أمورهم وإنما يحبهم لأنهم أخلصوا نفوسهم له وطردوا عنها ما سواه إذ لم يروا في غيره غناء .

وحب الله لهم مجاز عن توفيقه وإرشاده لهم في الدنيا وحسن المثوبة في الآخرة .

والمراد أنه لا ناصر لكم سواه .

وفي هذا تنبيه إلى أن الأمر كله لله .