المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ} (159)

159- كان رحمة من الله بك وبهم أن لِنْتَ لهم ولم تغلظ في القول بسبب خطئهم ، ولو كنت جافي المعاملة قاسي القلب ، لتفرقوا من حولك ، فتجاوز عن خطئهم ، واطلب المغفرة لهم ، واستشرهم في الأمر متعرفاً آراءهم مما لم ينزل عليك فيه وحي ، فإذا عقدت عزمك على أمر بعد المشاروة فامض فيه متوكلاً على الله ، لأن الله يحب من يفوض أموره إليه{[36]} .


[36]:الشورى أصل أصيل وركن ركين في الإسلام، ولقد قيل: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، والقرآن على نهجه في التشريع يشرع كبريات الأسس والقواعد ويدع التفاصيل للجماعة بحسب ظروف الزمان والمكان، فقد يكون النظام النيابي في الحكم والشورى صالحا لبلاد معينة كانجلترا وفرنسا بحيث رجال الحكومة مسئولين أمام البرلمان، لأنهم نشأوا على ذلك ومرجع الأمر عندهم تاريخي يتفق مع الهيئة التي هم فيها، وقد يكون نظام الحكم رئاسيا وفيه نوع كبير من الشورى مناسبا لبلاد كالولايات المتحدة لما تبغيه من نهوض سريع وعدم تعويق التقدم والرقي بسقوط الوزارات كما هو حادث في فرنسا البرلمانية حيث لم تكن الوزارة قبل الحرب الأخيرة لتبقى أكثر من ثلاثة أشهر، وقد تكون الشورى على نظام وسط بين الرئاسي والبرلمان. فكل دولة وكل جماعة لها أن تسن طريق الشورى وفق ظروفها أو تاريخها وبيئتها والمهم أم مبدأ الشورى يكون موجودا خشية تسلط الفرد وتحكمه وطغيانه، ولذلك اكتفى القرآن بالنص على المبدأ منذ أربعة عشر قرنا سابقا بذلك كل المدنيات العصرية التي تتشدق بالحرية.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ} (159)

قوله تعالى : { فبما رحمة من الله } . أي فبرحمة من الله وما صلة كقوله ( فبما نقضهم ) .

قوله تعالى : { لنت لهم } . أي سهلت لهم أخلاقك ، وكثرة احتمالك ، ولم تسرع إليهم بالغضب فيما كان منهم يوم أحد .

قوله تعالى : { ولو كنت فظاً } . يعني جافياً سيء الخلق قليل الاحتمال .

قوله تعالى : { غليظ القلب } . قال الكلبي : فظاً في القول غليظ القلب في الفعل .

قوله تعالى : { لانفضوا من حولك } . أي لنفروا وتفرقوا عنك ، يقال : فضضتهم فانفضواأي فرقتهم فتفرقوا .

قوله تعالى : { فاعف عنهم } . تجاوز عنهم ما أتوا يوم أحد .

قوله تعالى : { واستغفر لهم } . حتى أشفعك فيهم .

قوله تعالى : { وشاورهم في الأمر } . أي : استخرج آراهم واعلم ما عندهم ، من قول العرب شرت الدابة ، وشورتها إذا استخرجت جريها ، وشرت العسل وأشرته إذا أخذته من موضعه واستخرجته . واختلفوا في المعنى الذي لأجله أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع كمال عقله وجزالة رأيه ونزول الوحي عليه ، ووجوب طاعته على الخلق فيما أحبوا وكرهوا . فقال بعضهم : هو خاص في المعنى ، أي : وشاورهم فيما ليس عندك فيه من الله تعالى عهد ، قال الكلبي : يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكايد الحرب عند الغزو . وقال مقاتل وقتادة :أمر الله تعالى بمشاورتهم تطييباً لقلوبهم ، فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم ، فإن سادات العرب كانوا إذا لم يشاوروا في الأمر شق ذلك عليهم . وقال الحسن : قد علم الله عز وجل أنه ما به إلى مشاورتهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده .

أخبرنا أبو طاهر بن علي بن عبد الله الفارسي قال : أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، أخبرنا علي بن العباس المقانعي ، أخبرنا أحمد بن ماهان أخبرني أبي أخبرنا طلحة بن زيد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما رأيت رجلاً أكثر استشارة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

قوله تعالى : { فإذا عزمت فتوكل على الله } . لا على مشاورتهم ، أي قم بأمر الله وثق به واستعنه .

قوله تعالى : { إن الله يحب المتوكلين } .