2- ومن تلك الأحكام حكم الزانية والزاني فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ولا يمنعكم شيء من الرأفة بهما عن تنفيذ الحكم ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . لأن مقتضى الإيمان إيثار رضا الله علي رضا الناس ، ولْيحضر تنفيذ الحكم فيهما جماعة من المؤمنين . ليكون العقاب فيه ردع لغيرهما{[146]} .
ويتبع هذا المطلع القوي الصريح الجازم ببيان حد الزنا ؛ وتفظيع هذه الفعلة ، التي تقطع ما بين فاعليها وبين الأمة المسلمة من وشائج وارتباطات :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ؛ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله - إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر - وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ؛ وحرم ذلك على المؤمنين ) . .
كان حد الزانيين في أول الإسلام ما جاء في سورة النساء : ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم . فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) . . فكان حد المرأة الحبس في البيت والأذى بالتعبير . وكان حد الرجل الأذى بالتعبير .
ثم أنزل الله حد الزنا في سورة النور . فكان هذا هو( السبيل )الذي أشارت إليه من قبل آية النساء .
والجلد هو حد البكر من الرجال والنساء . وهو الذي لم يحصن بالزواج . ويوقع عليه متى كان مسلما بالغا عاقلا حرا . فأما المحصن وهو من سبق له الوطء في نكاح صحيح وهو مسلم حر بالغ فحده الرجم .
وقد ثبت الرجم بالسنة . وثبت الجلد بالقرآن . ولما كان النص القرآني مجملا وعاما . وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد رجم الزانيين المحصنين ، فقد تبين من هذا أن الجلد خاص بغير المحصن .
وهناك خلاف فقهي حول الجمع بين الجلد والرجم للمحصن . والجمهور على أنه لا يجمع بين الجلد والرجم . كما أن هناك خلافا فقهيا حول تغريب الزاني غير المحصن مع جلده . وحول حد الزاني غير الحر . . وهو خلاف طويل لا ندخل في تفصيله هنا ، يطلب في موضعه من كتب الفقه . . إنما نمضي نحن مع حكمة هذا التشريع . فنرى أن عقوبة البكر هي الجلد ، وعقوبة المحصن هي الرجم . ذلك أن الذي سبق له الوطء في نكاح صحيح - وهو مسلم حر بالغ - قد عرف الطريق الصحيح النظيف وجربه ، فعدوله عنه إلى الزنا يشي بفساد فطرته وانحرافها ، فهو جدير بتشديد العقوبة ، بخلاف البكر الغفل الغر ، الذي قد يندفع تحت ضغط الميل وهو غرير . . وهناك فارق آخر في طبيعة الفعل . فالمحصن ذو تجربة فيه تجعله يتذوقه ويستجيب له بدرجة أعمق مما يتذوقه البكر . فهو حري بعقوبة كذلك أشد .
والقرآن يذكر هنا حد البكر وحده - كما سلف - فيشدد في الأخذ به ، دون تسامح ولا هوادة :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله . إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) .
فهي الصرامة في إقامة الحد ؛ وعدم الرأفة في أخذ الفاعلين بجرمهما ، وعدم تعطيل الحد أو الترفق في إقامته ، تراخيا في دين الله وحقه . وإقامته في مشهد عام تحضره طائفة من المؤمنين ، فيكون أوجع وأوقع في نفوس الفاعلين ونفوس المشاهدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.