2- ومن تلك الأحكام حكم الزانية والزاني فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ولا يمنعكم شيء من الرأفة بهما عن تنفيذ الحكم ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . لأن مقتضى الإيمان إيثار رضا الله علي رضا الناس ، ولْيحضر تنفيذ الحكم فيهما جماعة من المؤمنين . ليكون العقاب فيه ردع لغيرهما{[146]} .
ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها ، فقال : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }
هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين ، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة ، وأما الثيب ، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ، أن حده الرجم ، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [ بهما ] في دين الله ، تمنعنا من إقامة الحد عليهم ، سواء رأفة طبيعية ، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك ، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله ، فرحمته حقيقة ، بإقامة حد الله عليه ، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه ، فلا نرحمه من هذا الجانب ، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة ، أي : جماعة من المؤمنين ، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع ، وليشاهدوا الحد فعلا ، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل ، مما يقوى بها العلم ، ويستقر به الفهم ، ويكون أقرب لإصابة الصواب ، فلا يزاد فيه ولا ينقص ، والله أعلم .
ويتبع هذا المطلع القوي الصريح الجازم ببيان حد الزنا ؛ وتفظيع هذه الفعلة ، التي تقطع ما بين فاعليها وبين الأمة المسلمة من وشائج وارتباطات :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ؛ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله - إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر - وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ؛ وحرم ذلك على المؤمنين ) . .
كان حد الزانيين في أول الإسلام ما جاء في سورة النساء : ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم . فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) . . فكان حد المرأة الحبس في البيت والأذى بالتعبير . وكان حد الرجل الأذى بالتعبير .
ثم أنزل الله حد الزنا في سورة النور . فكان هذا هو( السبيل )الذي أشارت إليه من قبل آية النساء .
والجلد هو حد البكر من الرجال والنساء . وهو الذي لم يحصن بالزواج . ويوقع عليه متى كان مسلما بالغا عاقلا حرا . فأما المحصن وهو من سبق له الوطء في نكاح صحيح وهو مسلم حر بالغ فحده الرجم .
وقد ثبت الرجم بالسنة . وثبت الجلد بالقرآن . ولما كان النص القرآني مجملا وعاما . وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد رجم الزانيين المحصنين ، فقد تبين من هذا أن الجلد خاص بغير المحصن .
وهناك خلاف فقهي حول الجمع بين الجلد والرجم للمحصن . والجمهور على أنه لا يجمع بين الجلد والرجم . كما أن هناك خلافا فقهيا حول تغريب الزاني غير المحصن مع جلده . وحول حد الزاني غير الحر . . وهو خلاف طويل لا ندخل في تفصيله هنا ، يطلب في موضعه من كتب الفقه . . إنما نمضي نحن مع حكمة هذا التشريع . فنرى أن عقوبة البكر هي الجلد ، وعقوبة المحصن هي الرجم . ذلك أن الذي سبق له الوطء في نكاح صحيح - وهو مسلم حر بالغ - قد عرف الطريق الصحيح النظيف وجربه ، فعدوله عنه إلى الزنا يشي بفساد فطرته وانحرافها ، فهو جدير بتشديد العقوبة ، بخلاف البكر الغفل الغر ، الذي قد يندفع تحت ضغط الميل وهو غرير . . وهناك فارق آخر في طبيعة الفعل . فالمحصن ذو تجربة فيه تجعله يتذوقه ويستجيب له بدرجة أعمق مما يتذوقه البكر . فهو حري بعقوبة كذلك أشد .
والقرآن يذكر هنا حد البكر وحده - كما سلف - فيشدد في الأخذ به ، دون تسامح ولا هوادة :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله . إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) .
فهي الصرامة في إقامة الحد ؛ وعدم الرأفة في أخذ الفاعلين بجرمهما ، وعدم تعطيل الحد أو الترفق في إقامته ، تراخيا في دين الله وحقه . وإقامته في مشهد عام تحضره طائفة من المؤمنين ، فيكون أوجع وأوقع في نفوس الفاعلين ونفوس المشاهدين .
ثم قال تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع ؛ فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرًا ، وهو الذي لم يتزوج ، أو محصنا ، وهو الذي قد وَطِئَ في نكاح صحيح ، وهو حر بالغ عاقل . فأما إذا كان بكرًا لم يتزوج ، فإن حدَّه مائة جلدة{[20714]} كما في الآية ويزاد على ذلك أن يُغرّب عاما [ عن بلده ]{[20715]} عند جمهور العلماء ، خلافا لأبي حنيفة ، رحمه الله ؛ فإن عنده أن التغريبَ إلى رأي الإمام ، إن شاء غَرَّب وإن شاء لم يغرِّب .
وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين ، من رواية الزهري ، عن عُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجُهَنيّ ، في الأعرابيين اللذين أتيا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما : يا رسول الله ، إن ابني كان عَسِيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته ، فافتديت [ ابني ]{[20716]} منه بمائة شاة وَوَليدَة ، فسألت أهل العلم ، فأخبروني أن{[20717]} على ابني جلد مائة وتغريبَ عام ، وأن على امرأة هذا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رَدٌّ عليك ، وعلى ابنك جَلْدُ مائة وتغريبُ عام . واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " . فغدا عليها فاعترفت ، فرجمها{[20718]} .
ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ، فأما إن كان محصنا فإنه يرجم ، كما قال الإمام مالك :
حدثني ابن شهاب ، أخبرنا{[20719]} عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن ابن عباس أخبره أن عمر ، رضي الله عنه ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فإن{[20720]} الله بعث محمدًا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها وَوَعَيْناها ، وَرَجمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَجمْنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو الحبل ، أو الاعتراف .
أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا{[20721]} وهذا{[20722]} قطعة منه ، فيها مقصودنا هاهنا .
وروى الإمام أحمد ، عن هُشَيْم ، عن الزهري ، عن عُبَيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : حدثني عبد الرحمن بن عوف ؛ أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول : ألا وَإنّ أناسا{[20723]} يقولون : ما بالُ الرجم ؟ في كتاب الله الجلدُ . وقد رَجَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَجمَنا بعده . ولولا أن يقول قائلون - أو يتكلم{[20724]} متكلمون - أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه{[20725]} لأثبتها كما نزلت .
وأخرجه النسائي ، من حديث عُبَيْد الله بن عبد الله ، به{[20726]} .
وقد روى أحمد{[20727]} أيضًا ، عن هُشَيْم ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مِهْران ، عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال : لا تُخْدَعُن{[20728]} عنه ؛ فإنه حَدٌّ من حدود الله ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورَجمَنا بعده ، ولولا أن يقول قائلون : زاد عمر في كتاب الله ما ليس فيه ، لكتبت في ناحية من المصحف : وشهد عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وفلان وفلان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده . ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال{[20729]} وبالشفاعة وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتُحِشُوا{[20730]} .
وروى أحمد{[20731]} أيضا ، عن يحيى القَطَّان ، عن يحيى الأنصاري ، عن سعيد بن المسيَّب ، عن عمر بن الخطاب{[20732]} : إياكم أن تهَلكوا عن آية الرجم .
الحديث رواه الترمذي ، من حديث سعيد ، عن عُمَر ، وقال : صحيح{[20733]} .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عُبَيْد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا ابن{[20734]} عَوْن ، عن محمد - هو ابن سِيرِين - قال : نُبِّئتُ عن كَثِير بن الصلت قال : كنا عند مروان وفينا زيد ، فقال زيد : كنا نقرأ : " والشيخ والشيخة فارجموهما{[20735]} البتة " . قال مروان : ألا كتبتَها في المصحف ؟ قال : ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك . قال : قلنا : فكيف ؟ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فذكر كذا وكذا ، وذكر الرجم ، فقال : يا رسول الله ، أكْتِبْني آية الرجم : قال : " لا أستطيع الآن " . هذا أو نحو{[20736]} ذلك .
وقد رواه النسائي ، عن محمد بن المثنى ، عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جُبَير ، عن كَثِير بن الصَّلْت ، عن زيد بن ثابت ، به{[20737]} .
وهذه طرق كلها متعددة{[20738]} ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها ، وبقي حكمها معمولا به ، ولله الحمد{[20739]} .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة ، وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زَنَت مع الأجير . ورجم النبي{[20740]} صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامِدِيَّة . وكل هؤلاء لم يُنقَل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جَلدهم قبل الرجم . وإنما وردت الأحاديث الصِّحَاح المتعددة الطرق والألفاظ ، بالاقتصار على رجمهم ، وليس فيها ذكر الجلد ؛ ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، رحمهم الله . وذهب الإمام أحمد ، رحمه الله ، إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصَن بين{[20741]} الجلد للآية والرجم للسنة ، كما روي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه لما أتي بشُرَاحة{[20742]} وكانت قد زنت وهي مُحْصَنَةٌ ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : جلدتهُا بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روى الإمام أحمد ومسلم ، وأهل السنن الأربعة ، من حديث قتادة ، عن الحسن ، عن حِطَّان{[20743]} بن عبد الله الرَّقَاشِيّ ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البِكْر بالبِكْر ، جَلْد مائة وتغريب سنة{[20744]} والثيب بالثيب ، جلد مائة والرجم " {[20745]} .
وقوله : { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } أي : في حكم الله . لا ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله ، وليس المنهي عنه{[20746]} الرأفة الطبيعية [ ألا تكون حاصلة ]{[20747]} على ترك الحد ، [ وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد ]{[20748]} فلا{[20749]} يجوز ذلك .
قال مجاهد : { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } قال : إقامة الحدود إذا رُفعت إلى السلطان ، فتقام ولا تعطل . وكذا رُوي عن سعيد بن جُبَيْر ، وعَطَاء بن أبي رَبَاح . وقد جاء في الحديث :
" تعافَوُا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حَدٍّ فقد وَجَب " {[20750]} . وفي الحديث الآخر : " لَحَدٌّ يقام في الأرض ، خير لأهلها من أن يُمطَروا أربعين صباحا " {[20751]} .
وقيل : المراد : { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } فلا تقيموا الحد كما ينبغي ، من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ، وليس المراد الضرب المبرِّح .
قال عامر الشعبي : { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } قال : رحمة{[20752]} في شدة الضرب . وقال عطاء : ضرب ليس بالمبرِّح . وقال سعيد بن أبي عَرُوُبة ، عن حماد بن أبي سليمان : يجلد{[20753]} القاذف وعليه ثيابه ، والزاني تخلع ثيابه ، ثم تلا { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } فقلت : هذا في الحكم ؟ قال : هذا في الحكم والجلد - يعني في إقامة الحد ، وفي شدة الضرب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأوْدِيّ{[20754]} حدثنا وَكيع ، عن نافع ، [ عن ]{[20755]} ابن عمرو ، عن{[20756]} ابن أبي مُلَيْكَة ، عن عبيد الله{[20757]} بن عبد الله بن عمر : أن جارية لابن عمر زنت ، فضرب رجليها - قال نافع : أراه قال : وظهرها - قال : قلت : { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } قال : يا بني ، ورأيتَني أخَذَتْني بها رأفة ؟ إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجعل جَلدها في رأسها ، وقد أوجعت حيث ضربت{[20758]} .
وقوله : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } أي : فافعلوا ذلك : أقيموا الحدود على من زنى ، وشددوا عليه الضرب ، ولكن ليس مبرِّحا ؛ ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك . وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال : يا رسول الله ، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، فقال : " ولك في ذلك أجر " {[20759]} .
وقوله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } : هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جُلِدا بحضرة الناس ، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما ، وأنجع في ردعهما ، فإن في ذلك تقريعًا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا .
قال الحسن البصري في قوله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يعني : علانية .
ثم قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الطائفة : الرجل فما فوقه .
وقال مجاهد : الطائفة : رجل إلى الألف . وكذا قال عكرمة ؛ ولهذا قال أحمد : إن الطائفة تصدُق على واحد .
وقال عطاء بن أبي رباح : اثنان . وبه قال إسحاق بن رَاهَويه . وكذا قال سعيد بن جبير : { طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قال : يعني : رجلين فصاعدا .
وقال الزهري : ثلاث نفر فصاعدا .
وقال عبد الرزاق : حدثني ابن وَهْب ، عن الإمام مالك في قوله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قال : الطائفة : أربعة نفر فصاعدا ؛ لأنه لا يكون شهادة في الزنى دون أربعة شهداء فصاعدًا . وبه قال الشافعي .
وقال ربيعة : خمسة . وقال الحسن البصري : عشرة . وقال قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، أي : نفر من المسلمين ؛ ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا بَقِيَّةُ قال : سمعت نصر بن علقمة في قوله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قال : ليس ذلك للفضيحة ، إنما ذلك ليدعى اللهُ تعالى لهما بالتوبة والرحمة .
القول في تأويل قوله تعالى : { الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : من زنى من الرجال أو زنت من النساء ، وهو حُرّ بِكرٌ غير مُحْصَن بزوج ، فاجلدوه ضربا مئة جلة عقوبة لِما صنع وأتى من معصية الله . وَلا تَأْخُذُكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينَ اللّهِ يقول تعالى ذكره : لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة ، وهي رقة الرحمة في دين الله ، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحدّ عليهما على ما ألزمكم به .
واختلف أهل التأويل في المنهيّ عنه المؤمنون من أخذ الرأفة بهما ، فقال بعضهم : هو ترك إقامة حدّ الله عليهما ، فأما إذا أقيم عليهما الحدّ فلم تأخذهم بهما رأفة في دين الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مُلَيجة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، قال : جَلَد ابن عمر جارية له أحدثت ، فجلد رجليها قال نافع : وحسبت أنه قال : وظهرها فقلت : وَلا تَأْخَذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ فقال : وأخذتني بها رأفة ، إن الله لم يأمرني أن أقتلها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول : ثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، أن عبد الله بن عمر حدّ جارية له ، فقال للجالد ، وأشار إلى رجلها وإلى أسفلها ، قلت : فأين قول الله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : أفأقتلها ؟ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ فقال : أن تقيم الحدّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، ابن جُرَيج : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : لا تضيعوا حدود الله .
قال ابن جُرَيج : وقال مجاهد : لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ : لا تضيعوا الحدود في أن تقيموها . وقالها عطاء بن أبي رباح .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبد الملك وحجاج ، عن عطاء : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : يقام حدّ الله ولا يعطل ، وليس بالقتل .
حدثنا ابن المثّنى ، قال : ثني محمد بن فضيل ، عن داود ، عن سعيد بن جبير ، قال : الجلد .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهَبّاريّ ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دينِ الله قال : الضرب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت عمران ، قال : قلت لأبي مجلز : الزّانِيَةُ وَالزّاني فاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما . . . إلى قوله : واليَوْمِ الاَخرِ إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل حدّا ، أو تقطع يده . قال : إنما ذاك أنه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم الحدّ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دِينِ اللّهِ قال لا تقام الحدود .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةُ فتدعوهما من حدود الله التي أمر بها وافترضها عليهما .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا ابن لَهِيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، أنه سأل سليمان بن يسار ، عن قول الله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ الله أي في الحدود أو في العقوبة ؟ قال : ذلك فيهما جميعا .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلِيّ ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دِينِ اللّهِ قال : أن يقام حدّ الله ولا يعطّل ، وليس بالقتل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر في قوله : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ في دين الله قال : الضرب الشديد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وَلا تَأْخُذْكُمْ بهما رأفَةٌ فتُخَفّفوا الضرب عنهما ، ولكن أو جعوهما ضربا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن قَتادة ، عن الحسن وسعيد ابن المسيب : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ قال : الجلد الشديد .
قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن حماد ، قال : يُحَدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما . وأما الزاني فتخلع ثيابه . وتلا هذه الآية : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ فقلت لحماد : أهذا في الحكم ؟ قال : في الحكم والجلد .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهريّ ، قال : يجتهد في حدّ الزاني والفرية ، ويخفف في حدّ الشرب . وقال قَتادة : يخفف في الشراب ، ويجتهد في الزاني .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حدّ الله عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لدلالة قول الله بعده : «في دين الله » ، يعني في طاعة الله التي أمركم بها . ومعلوم أن دين الله الذي أمر به في الزانيين : إقامة الحدّ عليهما ، على ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة ، مع أن الشدّة في الضرب لا حدّ لها يوقف عليه ، وكلّ ضرب أوجع فهو شديد ، وليس للذي يوجع في الشدّة حدّ لا زيادة فيه فيؤمر به وغير جائز وصفه جلّ ثناؤه بأنه أمر بما لا سبيل للمأموربه إلى معرفته . وإذا كان ذلك كذلك ، فالذي للمأمورين إلى معرفته السبيل هو عدد الجَلد على ما أمر به ، وذلك هو إقامة الحد على ما قلنا . وللعرب في الرأفة لغتان : الرأفة بتسكين الهمزة ، والرآفة بمدّها ، كالسأمة والسآمة ، والكأْبة والكآبة . وكأنّ الرأفة المرّة الواحدة ، والرآفة المصدر ، كما قيل : ضَؤُل ضآلة مثل فَعُل فعالة ، وقَبُح قباحة .
وقوله : إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِيقول : إن كنتم تصدّقون بالله ر بكم وباليوم الاَخر ، وأنكم فيه مبعوثون لحشر القيامة وللثواب والعقاب ، فإن من كان بذلك مصدّقا فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه خوف عقابه على معاصيه . وقوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره : وليحضر جلد الزانيين البِكْرَين وحدّهما إذا أقيم عليهما طائفةٌ من المؤمنين . والعرب تسمي الواحد فما زاد . طائفة . مِنَ المُؤُمِنينَ يقول : من أهل الإيمان بالله ورسوله .
وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد الطائفة الذي أمر الله بشهود عذاب الزانيين البِكْرين ، فقال بعضهم : أقله واحد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطائفة : رجل .
حدثنا عليّ بن سهل بن موسى بن إسحاق الكنانيّ وابن القوّاس ، قالا : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِقَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : الطائفة رجل . قال عليّ : فما فوق ذلك وقال ابن القوّاس : فأكثر من ذلك .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا زيد ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطائفة : رجل .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : قال ابن أبي نجيح : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال مجاهد : أقله رجل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : الطائفة : الواحد إلى الألف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد في هذه الآية : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِن المُؤْمِنينَ قال : الطائفة واحد إلى الألف وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمنِينَ اقْتَتَلُوا فأَصْلِحُوا بَيْنَهُما .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، قال : الطائفة : الرجل الواحد إلى الألف ، قال : وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما : إنما كانا رجلين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : سمعت عيسى بن يونس ، يقول : حدثنا النعمان بن ثابت ، عن حماد وإبراهيم قالا : الطائفة : رجل .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : الطائفة : رجل واحد فما فوقه .
وقال آخرون : أقله في في هذا الموضع رجلان . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : قال عطاء : أقله رجلان .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة قال : ليحضر رجلان فصاعدا .
وقال آخرون : أقلّ ذلك ثلاثة فصاعدا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهريّ ، قال : الطائفة : الثلاثة فصاعدا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : نفر من المسلمين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، قال : حدثنا أشعث ، عن أبيه ، قال : أتيت أبا بَرْزة الأسلميّ في حاجة وقد أخرج جارية إلى باب الدار وقد زنت ، فدعا رجلاً فقال : اضربها خمسين فدعا جماعة ، ثم قرأ : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ .
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ ، قال : حدثنا يحيى ، عن أشعث ، عن أبيه ، أن أبا بَرْزة أمر ابنه أن يضرب جارية له ولدت من الزنا ضربا غير مبرّح ، قال : فألقى عليها ثوبا وعنده قوم ، وقرأ : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما الآية .
وقال آخرون : بل أقلّ ذلك أربعة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ قال : فقال : الطائفة التي يجب بها الحدّ أربعة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : أقلّ ما ينبغي حضور ذلك من عدد المسلمين : الواحد فصاعدا وذلك أن الله عمّ بقوله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ والطائفة : قد تقع عند العرب على الواحد فصاعدا . فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن الله تعالى ذكره وضع دلالة على أن مراده من ذلك خاصّ من العدد ، كان معلوما أن حضور ما وقع عليه أدنى اسم الطائفة ذلك المحضر مخرج مقيم الحدّ مما أمره الله به بقوله : وَلَيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ . غير أني وإن كان الأمر على ما وصفت ، أستحبّ أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته على الزنا لأن ذلك إذا كان كذلك فلا خلاف بين الجمع أنه قد أدّى المقيم الحدّ ما عليه في ذلك ، وهم فيما دون ذلك مختلفون .
{ الزانية والزاني } أو فيما فرضنا أو أنزلنا حكمها وهو الجلد ، ويجوز أن يرفعا بالابتداء والخبر : { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } والفاء لتضمنها معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي ، وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من نصب سورة لأجل الأمر والزان بلا ياء ، وإنما قدم { الزانية } لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل وعرض نفسها عليه ولأن مفسدته تتحقق بالإضافة إليها ، والجلد ضرب الجلد وهو حكم يخص بمن ليس بمحصن لما دل على أن حد المحصن هو الرجم ، وزاد الشافعي عليه تغريب الحر سنة لقوله عليه الصلاة والسلام " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ، وليس في الآية ما يدفعه لينسخ أحدهما الآخر نسخا مقبولا أو مردودا ، وله في العبد ثلاثة أقوال . والإحصان : بالحرية والبلوغ والعقل والإصابة في نكاح صحيح ، واعتبرت الحنفية الإسلام أيضا وهو مردود برجمه عليه الصلاة والسلام يهوديين ، ولا يعارضه " من أشرك بالله فليس بمحصن " إذ المراد بالمحصن الذي يقتنص له من المسلم . { ولا تأخذكم بهما رأفة } رحمة . { في دين الله } في طاعته وإقامة حده فتعطلوه أن تسامحوا فيه ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " . وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة وقرئت بالمد على فعالة . { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله تعالى والاجتهاد في إقامة حدوده وأحكامه ، وهو من باب التهييج . { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر مما ينكل التعذيب ، وال { طائفة } فرقة يمكن أن تكون حافة حول شيء من الطوف وأقلها ثلاثة وقيل واحد واثنان ، والمراد جمع يحصل به التشهير .