المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

2- ومن تلك الأحكام حكم الزانية والزاني فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ولا يمنعكم شيء من الرأفة بهما عن تنفيذ الحكم ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . لأن مقتضى الإيمان إيثار رضا الله علي رضا الناس ، ولْيحضر تنفيذ الحكم فيهما جماعة من المؤمنين . ليكون العقاب فيه ردع لغيرهما{[146]} .


[146]:تعليق الخبراء علي الآية 2 - 4: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك علي المؤمنين، والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوا ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون}: الجرائم في الشريعة الإسلامية هي محظورات زجر الله عنها بحد أو تعزير، وهذه المحظورات تقع إما بارتكاب فعل نهي الشرع عن ارتكابه، أو بترك فعل أمر الشرع بإتيانه. وعلة تحريم هذه المحظورات: أنها اعتداء علي إحدى المصالح المعتبرة في الإسلام، ومصالح الإسلام المعتبرة خمس وهي: 1 – المحافظة علي النفس. 2 – المحافظة علي الدين. 3 – المحافظة علي العقل. 4 – المحافظة علي المال. المحافظة علي العرض. فالقتل مثلا اعتداء علي النفس، والردة اعتداء علي الدين، وتعاطي المخدرات اعتداء علي العقل، والسرقة اعتداء علي المال، والزنا اعتداء علي العرض. وقسم الفقهاء الجرائم إلي تقسيمات عدة تختلف باختلاف وجهات النظر إليها. ويهمنا بصدد التعليق علي هذه الآية التقسيم من حيث جسامة العقوبة وكيفية تقديرها، وهي تنقسم إلي أقسام ثلاثة: 1 – الحدود. 2 – القصاص أو الدية. 3 – التعزير. أما الحدود فهي الجرائم التي تعتبر في حد ذاتها اعتداء علي حق الله، أو يغلب فيها حق الله علي حقوق العباد. ولذلك حددها الله. وحددت عقوبتها بنص في القرآن أو في السنة. أما جرائم القصاص والدية فهي جرائم تغلب فيها حقوق العباد، وتولي الله تحديد عقوبات بعضها بالنص، وترك البعض لتقدير ولي الأمر. ومثلها جرائم الدماء، مثل جريمة القتل وقطع الأطراف والجراح. أما جرائم التعزير فاكتفي الإسلام فيها بتقرير مجموعة من العقوبات بحديها الأخف والأشد، وترك للوالي اختيار العقوبة في كل جريمة بما يلائم ظروفها وحال الجماعة التي وقعت بها. جرائم الحدود سبع: 1 – الزنا. 2 – قذف المحصنات. 3 – البغي. 4 – السرقة. 5 – قطع الطريق. 6 – شرب الخمر. 7 – الردة. وقد حددها الله تعالي وجاء تعدادها جميعا في نصوص القرآن، كما حدد العقوبات عليها القرآن أيضا، عدا عقوبة الزاني المحصن "المتزوج" وهي الرجم، وعقوبة شارب الخمر وهي ثمانون جلدة، وعقوبة الردة وهي القتل، فقد نصت عليها السنة وقد درجت القوانين الوضعية علي الزجر في جريمة الزنا بتوافه العقوبات كالحبس. فشاعت الفاحشة بين الناس، وانتشر الفسق والفجور، وهانت الأعراض، وكثرت الأمراض واختلطت الأنساب. ومن عجب أن الشرائع الحديثة للبلاد المتمدينة تحمي هذه الجرائم، ففي قانون العقوبات الفرنسي مثلا: الزاني والزانية غير المحصنين لا عقوبة عليهما، ماداما قد بلغا سن الرشد، إذ حريتهما الشخصية تقتضي تركهما يفعلان بأنفسهما ما يشاءان. أما الزنا بالنسبة للمحصن من الرجال أو النساء فعقوبته الحبس. وليس للهيئة الاجتماعية متمثلة في النيابة العامة أن تتصدى للجريمة بالتحقيق، إلا بناء علي طلب أحد الزوجين، وترتب علي اعتبار الجريمة واقعة علي حق الزوج وحده أنه إذا بلغ الحادث فله أن يسحب بلاغه، فيقف التحقيق، وله أن يعفو عن زوجته فتخرج من السجن قبل انقضاء العقوبة ولو صار الحكم عليها نهائيا. ويعيب البعض علي الإسلام التشدد في عقوبة الزنا، وكان أحرى بهم أن يدركوا أنه بقدر تغليظ العقوبة في الإسلام تشدد في طريق الإثبات. فبينما اكتفي في ثبوت جريمة القتل بشهادة شاهدين عدلين، حتم في ثبوت جريمة الزنا شهادة أربعة شهود عدول، رأوا الواقعة رأي العين، أو اعتراف الجاني. هذا، ونلاحظ أن القرآن الكريم أوجب علانية عقوبة الجلد، لما في ذلك من تشهير بالجاني وتخويف لغيره.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

ثم شرع في بيان تلك الأحكام المشار إليها ، فقال : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين ، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة ، وأما الثيب ، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ، أن حده الرجم ، ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [ بهما ] في دين الله ، تمنعنا من إقامة الحد عليهم ، سواء رأفة طبيعية ، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك ، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله ، فرحمته حقيقة ، بإقامة حد الله عليه ، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه ، فلا نرحمه من هذا الجانب ، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة ، أي : جماعة من المؤمنين ، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع ، وليشاهدوا الحد فعلا ، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل ، مما يقوى بها العلم ، ويستقر به الفهم ، ويكون أقرب لإصابة الصواب ، فلا يزاد فيه ولا ينقص ، والله أعلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك حد الزانى والزانية ، وقبح جريمة الزنا تقبيحا يحمل عل النفور ، وحرمها على المؤمنين تحريما قاطعا ، فقال - تعالى - : { الزانية .

قوله - تعالى - : { الزانية والزاني . . } شروع فى تفصيل الأحكام ، التى أشار إليها - سبحانه - فى الآية الأولى من هذه السورة ، وهى قوله : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا . . . } والزنا من الرجل معناه : وطء المرأة من غير ملك ولا شبهة ملك ومعناه من المرأة : أن تمكن الرجل من أن يزنى بها .

والخطاب فى قوله - تعالى - : { فاجلدوا . . . } للحكام المكلفين بتنفيذ حدود الله - عز وجل - .

قال الجمل : " وفى رفع " الزانية والزانى " وجهان : أحدهما - وهو مذهب سيبويه - أنه مبتدأ خبره محذوف . أى : فيما يتلى عليكم حكم الزانية ، ثم بين ذلك بقوله : { فاجلدوا . . } والثانى : وهو مذهب الأخفش وغيره - أنه مبتدأ . والخير جملة الأمر ، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط . . " .

فإن قيل : ما الحكمة فى أن يبدأ الله فى فاحشة الزنا بالمرأة ، وفى جريمة السرقة بالرجل ، حيث قال : { والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا . . . } فالجواب : أن الزنا من المرأة أقبح ، فإنه يترتب عليه فساد الأنساب ، وإلحاق الدنس والعار بزوجها وأهلها ، وافتضاح أمرها عن طريق الحمل ، وفضلا عن ذلك ، فإن تمكينها نفسها للرجل : هو الذى كان السبب فى اقترافه هذه الفاحشة ، فلهذا وغيره قدمت المرأة هنا .

وأما جريمة السرقة ، فالغالب أن الرجال أكثر إقداما عليها ، لأنها تحتاج إلى جسارة وقوة ، واجتياز للمخاطر . . . لذا قدم الرجل على المرأة فيها .

وقوله - تعالى - { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله . . } نهى منه - سبحانه - عن التهاون فى تنفيذ حدوده ، وحض على إقامتها بحزم وقوة ، والرأفة : أعلى درجات الرحمة . يقال : رؤف فلان بفلان - بزنة كرم - إذا اشتد فى رحمته ، وفى العناية بأمره .

أى : أقيموا - أيها الحكام - حدود الله - تعالى - على الزانية والزانى بأن تجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، دون أن تأخذكم شفقة أو رحمة فى تنفيذ هذه الحدود ، ودون أن تقبلوا فى التخفيف عنهما شفاعة شفيع ، أو وساطة وسيط ، فإن الله - تعالى - الذى شرع هذه الحدود . وأمر بتنفيذها بكل شدة وقوة ، أرحم بعباده وبخلقه منكم . والرحمة والرأفة فى تنفيذ أحكامه ، لا فى تعطيلها . ولا فى إجرائها على غير وجهها .

وقوله - سبحانه - : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر . . . } تأكيد لما قبله ، وإلهاب لمشاعرهم ، لتنفيذ حدود الله - تعالى - .

أى : إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا حقا ، فأقيموا حدود الله ، وأجلدوا الزانية والزانى مائة جلدة ، لا تأخذكم بهما رأفة أو شفقة فى ذلك .

وقوله - سبحانه - : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين } بيان لما يجب على الحكام أن يفعلوه عند تنفيذ العقوبة والأمر بشهود عذابهما للاستحباب لا للوجوب .

والمراد بعذابهما : إقامة الحد عليهما ، والطائفة فى الأصل : اسم فاعل من الطواف ، وهو الدوران والإحاطة . وتطلق الطائفة عند كثير من اللغوين على الواحد فما فوقه .

قال الآلوسى : " والحق أن المراد بالطائفة هنا ، جماعة يحصل بهم التشهير والزجر ، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة . وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه " .

ولعل السبب فى وجاهة رأى القائلين بالأربعة أن هذا العدد هو الذى يثبت به الزنا .

أى : وليشهد إقامة الحد على الزانية والزانى ، عدد من المؤمنين ، ليكون زيادة فى التنكيل بمن يرتكب هذه الفاحشة ، وأدعى إلى الاعتبار والاتعاظ وأزجر لمن تسول له نفسه الإقدام على تلك الجريمة النكراء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

{ الزانية والزاني } أو فيما فرضنا أو أنزلنا حكمها وهو الجلد ، ويجوز أن يرفعا بالابتداء والخبر : { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } والفاء لتضمنها معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي ، وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من نصب سورة لأجل الأمر والزان بلا ياء ، وإنما قدم { الزانية } لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل وعرض نفسها عليه ولأن مفسدته تتحقق بالإضافة إليها ، والجلد ضرب الجلد وهو حكم يخص بمن ليس بمحصن لما دل على أن حد المحصن هو الرجم ، وزاد الشافعي عليه تغريب الحر سنة لقوله عليه الصلاة والسلام " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ، وليس في الآية ما يدفعه لينسخ أحدهما الآخر نسخا مقبولا أو مردودا ، وله في العبد ثلاثة أقوال . والإحصان : بالحرية والبلوغ والعقل والإصابة في نكاح صحيح ، واعتبرت الحنفية الإسلام أيضا وهو مردود برجمه عليه الصلاة والسلام يهوديين ، ولا يعارضه " من أشرك بالله فليس بمحصن " إذ المراد بالمحصن الذي يقتنص له من المسلم . { ولا تأخذكم بهما رأفة } رحمة . { في دين الله } في طاعته وإقامة حده فتعطلوه أن تسامحوا فيه ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " . وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة وقرئت بالمد على فعالة . { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله تعالى والاجتهاد في إقامة حدوده وأحكامه ، وهو من باب التهييج . { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر مما ينكل التعذيب ، وال { طائفة } فرقة يمكن أن تكون حافة حول شيء من الطوف وأقلها ثلاثة وقيل واحد واثنان ، والمراد جمع يحصل به التشهير .