تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة فاطر وهي مكية

{ 1 - 2 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة ، على خلقه السماوات والأرض ، وما اشتملتا عليه من المخلوقات ، لأن ذلك دليل على كمال قدرته ، وسعة ملكه ، وعموم رحمته ، وبديع حكمته ، وإحاطة علمه .

ولما ذكر الخلق ، ذكر بعده ما يتضمن الأمر ، وهو : أنه { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا } في تدبير أوامره القدرية ، ووسائط بينه وبين خلقه ، في تبليغ أوامره الدينية .

وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلا ، ولم يستثن منهم أحدا ، دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لأمره ، كما قال تعالى : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

ولما كانت الملائكة مدبرات بإذن اللّه ، ما جعلهم اللّه موكلين فيه ، ذكر قوتهم على ذلك وسرعة سيرهم ، بأن جعلهم { أُولِي أَجْنِحَةٍ } تطير بها ، فتسرع بتنفيذ ما أمرت به . { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } أي : منهم من له جناحان وثلاثة وأربعة ، بحسب ما اقتضته حكمته .

{ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } أي : يزيد بعض مخلوقاته على بعض ، في صفة خلقها ، وفي القوة ، وفي الحسن ، وفي زيادة الأعضاء المعهودة ، وفي حسن الأصوات ، ولذة النغمات .

{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه ، ولا يستعصي عليها شيء ، ومن ذلك ، زيادة مخلوقاته بعضها على بعض .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية كلها ، وهي فيها من المعاني والأخبار والعبر وألوان الترهيب والتحذير ما هو كثير .

والسورة مبدوءة بذكر الملائكة الأطهار العظام على اختلاف هيئاتها وأجنحتها ، وأولئك خَلْق أبرار يعبدون الله دوما لا ينقطعون ولا يفترون .

وفي السورة يحذر الله عباده من تغرير الشيطان لهم بما يزينه لهم من فتن الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها .

وتتضمن السورة بيانا بأجناس شتى من الخلائق التي ذرأها الله في هذا الكون مما يدل على عظمته سبحانه وجلال قدره ، وذلك كخلْق الإنسان من تراب ، وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر إلى أجل مسمى ، وغير ذلك من الكائنات والأجرام في السماء والأرض .

وفي السورة إعلان رباني كريم بأن الناس جميعا فقراء إلى الله ، وأنه سبحانه هو الغني وهو مالك كل شيء . وفيها ترسيخ لقاعدة من قواعد الحق والعدل ، وهي أن النفس لا تحمل وزر نفس أخرى وإنما يناط بالمرء من المسئولية والحساب ما قدمته يداه .

وفي السورة وصف لحال الكافرين الخاسرين وهم خلود في النار فلا يبرحونها ولا يخفف عنهم من لهيبها واستعارها . إلى غير ذلك من المواعظ والعبر وألوان التخويف والتحذير .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

ذلك ثناء من الله عز وجل على نفسه ؛ فهو الخالق المعبود الجدير بالشكر الكامل ، وهو سبحانه { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } { فَاطِرِ } مجرور على أنه صفة لاسم الله تعالى . أو على البدل منه{[3835]} و { فَاطِرِ } من الفطر أي الابتداء والاختراع{[3836]} . قال ابن عباس : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما لصاحبه : أنا فطرتها ؛ أي بدأتها . والمراد : أن الله وحده جدير بالعبادة والشكر الكاملين ؛ فهو سبحانه بديع السماوات والأرض وخالقهما وما فيهما وما بينهما . وما ينبغي لأحد من دون الله أن تذعن له القلوب وتخرَّ له النواصي . وهو سبحانه : { جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً } { رُسُلاً } مفعول ثان ؛ أي جعل الله الملائكة رسلا إلى أنبيائه ، أو لينيط بهم من الوجائب والمسؤوليات ما يبادرون بفعله سراعا { أُولِي أَجْنِحَةٍ } أي أصحاب أجنحة يطيرون بها سراعا خفافا ليبلغوا ما أمروا به ، أو ليفعلوا ما يكلّفهم الله بفعله .

قوله : { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } هذه الأسماء في موضع زجر على الوصف ؛ لأجنحة ، وهي غير منصرفة لأنها صفات ، ولكونها معدولة من جهة اللفظ والمعنى . أما العدل من جهة اللفظ : فإن { مثنى } معدول عن اثنين . { وثلاث } ، معدول عن ثلاثة . { ورباع } معدول عن أربعة .

وأما العدل من جهة المعنى : فلأنه يقتضي التكرار ؛ فمثنى عن اثنتين اثنتين ، و { وثلاث } عن ثلاثة ثلاثة ، و { رباع } عن أربعة أربعة{[3837]}

والمعنى ، أن من الملائكة من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة . ومنهم من له أربعة أجنحة . ومنهم من له أكثر من ذلك . وهم يهبطون بها من السماء إلى الأرض ، ويعرجون من الأرض إلى السماء .

قوله : { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } والمراد زيادته خَلْقَ هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء . ونقصانه عن الآخر ما يريد . والله له الخلْقُ والأمر والسلطان .

وهو قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } الله قادر على فعل ما يشاء أو خلْق ما يشاء من الملائكة أو غيرهم . فهو الخلاّقُ المقتدر ، لا راد لحكمه أو قضائه{[3838]} .


[3835]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 285
[3836]:مختار الصحاح ص 507
[3837]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 285
[3838]:تفسير الطبري ج 22 ص 76-77 وتفسير ابن كثير ج 3 ص 546