السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (18)

{ أولئك } أي البعداء من العقل والمروءة وكل خير { الذين حق } أي : ثبت ووجب { عليهم القول } أي : الكامل في بابه ، بأنهم أسفل السافلين . وهذا كما قال البيضاوي يردّ على من قال : إنها نزلت في عبد الرحمان بن أبي بكر ؛ لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه وقال البقاعي : وهذا يكذب من قال : إنها نزلت في عبد الرحمان بن أبي بكر فإنه أسلم وصار من أكابر الصحابة فحقت له الجنة ، ولما أثبت لهم هذه الشنعة بين كثرة من شاركهم فيها بقوله تعالى : { في } أي : كائنين في { أمم } أي : خلائق كانوا بحيث يقصدهم الناس ، ويتبع بعضهم بعضاً { قد خلت } أي : تلك الأمم { من قبلهم } وكانوا قدوتهم وأدخل الجار ؛ لأنّ المحكوم عليه بعض السالفين { من الجنّ } لأنّ العرب كانت تستعظمهم ، وتستجير بهم وذلك لأنهم يتظاهرون لهم ، ويؤذونهم ولم يقطع أذاهم لهم ، وتسلطهم عليهم ظاهراً وباطناً إلا القرآن : فإنه أحرقهم بأنواره ، وجلاهم عن تلك البلاد بتجلي آثاره { وإلانس } ولا نفعتهم كثرتهم ولا أغنت عنهم قوتهم وقوله تعالى { إنهم } أي : كلهم { كانوا } أي : جبلة وطبعاً وخلقاً لا يقدرون على الانفكاك عنه { خاسرين } أي عريقين في هذا الوصف تعليل للحكم على الاستئناف .