أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

شرح الكلمات :

{ الحمد لله } : أي قولوا الحمد لله فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد .

{ فاطر السموات والأرض } : أي خالقهما على غير مثال سابق .

{ جاعل الملائكة رسلا } : أي جعل منهم رسلا إلى الأنبياء كجبريل عليه السلام .

{ أولى أجنحة } : أي ذوى أجنحة جمع جناح كجناح الطائر .

{ يزيد في الخلق ما يشاء } : أي يزيد على الثلاثة ما يشاء فإن لجبريل ستمائة جناح .

المعنى :

قوله تعالى { الحمد لله فاطر السموات والأرض } أي الشكر الكامل والحمد التام لله استحقاقاً ، والكلام خَرَجَ مَخْرج الخبر ومعناه الإِنشاء أي قولوا الحمد لله . واشكروه كما هو أيضاً إخبار منه تعالى بأن الحمد له ولا مستحقه غيره ومقتضى حمده . فطره السموات والأرض أي خلقه لهما على غير مثال سابق ولا نموذج حاكاه في خلقهما . وجعله الملائكة رسلاً إلى الأنبياء وإلى من يشاء من عباده بالإِلهام والرؤيا الصالحة . وقوله { أولي أجنحة } صفة للملائكة أي أصحاب أجنحة مثنى أي اثنين اثنين ، وثلاث أي ثلاثة ثلاثة ورباع أي أربعة أربعة . وقوله { يزيد في الخلق } أي خلق الأجنحة ما يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلام ستمائة جناح كما أخبر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح ويزيد في خلق ما يشاء من مخلوقاته وهو على كل شيء قدير .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب حمد الله تعالى وشكره على إنعامه .

- تقرير الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم بإخباره أنه جاعل الملائكة رسلاً .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجميع ، وهي خمس وأربعون آية .

قوله تعالى : " الحمد لله فاطر السماوات والأرض " يجوز في " فاطر " ثلاثة أوجه : الخفض على النعت ، والرفع على إضمار مبتدأ ، والنصب على المدح . وحكى سيبويه : الحمد لله أهل الحمد مثله{[13088]} وكذا " جاعل الملائكة " . والفاطر : الخالق . وقد مضى في " يوسف " {[13089]} وغيرها . والفطر . الشق عن الشيء . يقال : فطرته فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير طلع ، فهو بعير فاطر . وتفطر الشيء تشقق . وسيف فطار ، أي فيه تشقق . قال عنترة :

وسيفي كالعقيقة فهو كِمْعِي *** سلاحي لا أفَلَّ ولا فُطَارا{[13090]}

والفطر : الابتداء والاختراع . قال ابن عباس : كنت لا أدري ما " فاطر السموات والأرض " حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي أنا ابتدأتها . والفطر . حلب الناقة بالسبابة والإبهام . والمراد بذكر السموات والأرض العالم كله ، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة . " جاعل الملائكة " لا يجوز فيه التنوين ، لأنه لما مضى . " رسلا " مفعول ثان ، ويقال على إضمار فعل ؛ لأن " فاعلا " إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئا ، وإعمال على أنه مستقبل حذف التوين منه تخفيفا . وقرأ الضحاك " الحمد لله فطر السموات والأرض " على الفصل الماضي . " جاعل الملائكة رسلا " الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، صلى الله عليهم أجمعين . وقرأ الحسن : " جاعل الملائكة " بالرفع . وقرأ خليد بن نشيط " جعل الملائكة " وكله ظاهر . " أولي أجنحة " نعت ، أي أصحاب أجنحة . " مثنى وثلاث ورباع " {[13091]} أي اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة . قال قتادة : بعضهم له جناحان ، وبعضهم ثلاثة ، وبعضهم أربعة ، ينزلون بهما من السماء إلى الأرض ، ويعرجون من الأرض إلى السماء ، وهي مسيرة كذا في وقت واحد ، أي جعلهم رسلا . قال يحيى بن سلام : إلى الأنبياء . وقال السدي : إلى العباد برحمة أو نقمة . وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح . وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له : ( يا محمد ، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ، وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع ، والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته ) . و " أولو " اسم جمع لذو ، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا ، ونظيرهما في المتمكنة : المخاض{[13092]} والخلفة . وقد مضى الكلام في " مثنى وثلاث ورباع " في " النساء " {[13093]} وأنه غير منصرف .

قوله تعالى : " يزيد في الخلق ما يشاء " أي في خلق الملائكة ، في قول أكثر المفسرين . ذكره المهدوي . وقال الحسن : " يزيد في الخلق " أي في أجنحة الملائكة ما يشاء . وقال الزهري وابن جريج : يعني حسن الصوت . وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب{[13094]} . وقال الهيثم الفارسي : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي ، فقال : ( أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا ) . وقال قتادة : " يزيد في الخلق ما يشاء " الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم . وقيل : الخط الحسن . وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الخط الحسن يزيد الكلام وضوحا ) . وقيل : الوجه الحسن . وقيل في الخبر في هذه الآية : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن . ذكره القشيري . النقاش : هو الشعر الجعد{[13095]} . وقيل : العقل والتمييز . وقيل : العلوم والصنائع . " إن الله على كل شيء قدير " من النقصان والزيادة . الزمخشري : والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق ، من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام في الأعضاء ، وقوة في البطش ، وحصافة في العقل ، وجزالة في الرأي ، وجرأة في القلب ، وسماحة في النفس ، وذلاقة في اللسان ، ولباقة في التكلم ، وحسن تأت{[13096]} في مزاولة الأمور ، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف .


[13088]:زيادة عن كتاب النحاس يقتضيها السياق.
[13089]:راجع ج 9 ص 279، ج 6 ص 397.
[13090]:عقيقة البرق: شعاعه. والكمع (بكسر فسكون) والكميع: الضجيع.
[13091]:في كتاب البحر:" وقيل أولى جنحة" معترض، و "مثنى" حال، والعامل فعل محذوف يدل عليه "رسلا"، أي يرسلون مثنى وثلاث ورباع".
[13092]:المخاض: الحوامل من النوق، واحدتها خلفة على غير قياس ولا واحد لها من لفظها، كما قالوا لواحدة النساء: امرأة، ولواحدة الإبل: ناقة أو بعير.
[13093]:راجع ج 5 ص 15 فما بعد.
[13094]:راجع (باب كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى).
[13095]:ما فيه التواء وتقبض. أو القصير منه.
[13096]:تأتى فلان لحاجته: إذا ترفق لها وأتاها من وجهها.