{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
أي : برحمة الله لك ولأصحابك ، منَّ الله عليك أن ألنت{[168]} لهم جانبك ، وخفضت لهم جناحك ، وترققت عليهم ، وحسنت لهم خلقك ، فاجتمعوا عليك وأحبوك ، وامتثلوا أمرك .
{ ولو كنت فظا } أي : سيئ الخلق { غليظ القلب } أي : قاسيه ، { لانفضوا من حولك } لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ .
فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين ، تجذب الناس إلى دين الله ، وترغبهم فيه ، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص ، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين ، وتبغضهم إليه ، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص ، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول ، فكيف بغيره ؟ !
أليس من أوجب الواجبات ، وأهم المهمات ، الاقتداء بأخلاقه الكريمة ، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم ، من اللين وحسن الخلق والتأليف ، امتثالا لأمر الله ، وجذبا لعباد الله لدين الله .
ثم أمره الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم ، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله ، فيجمع بين العفو والإحسان .
{ وشاورهم في الأمر } أي : الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر ، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره :
منها : أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله .
ومنها : أن فيها تسميحا لخواطرهم ، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث ، فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي : والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه ، وعلموا أنه ليس بمستبد{[169]} عليهم ، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع ، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته ، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم ، بخلاف من ليس كذلك ، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة .
ومنها : أن في الاستشارة تنور الأفكار ، بسبب إعمالها فيما وضعت له ، فصار في ذلك زيادة للعقول .
ومنها : ما تنتجه الاستشارة من الرأي : المصيب ، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله ، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب ، فليس بملوم ، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا ، وأغزرهم علما ، وأفضلهم رأيا- : { وشاورهم في الأمر } فكيف بغيره ؟ !
ثم قال تعالى : { فإذا عزمت } أي : على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه ، إن كان يحتاج إلى استشارة { فتوكل على الله } أي : اعتمد على حول الله وقوته ، متبرئا من حولك وقوتك ، { إن الله يحب المتوكلين } عليه ، اللاجئين إليه .
{ فبما رحمة من الله لنت لهم } أي فبرحمة ، وما مزيدة للتأكيد والتنبيه والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله وهو ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق بهم حتى اغتم لهم بعد أن خالفوه . { ولو كنت فظا } سيئ الخلق جافيا . { غليظ القلب } قاسيه . { لانفضوا من حولك } لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك . { فاعف عنهم } فيما يختص بك . { واستغفر لهم } فيما لله . { وشاورهم في الأمر } أي في أمر الحرب إذ الكلام فيه ، أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للأمة . { فإذا عزمت } فإذا وطنت نفسك على شيء بعد الشورى . { فتوكل على الله } في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك ، فإنه لا يعلمه سواه . وقرئ { فإذا عزمت } على التكلم أي فإذا عزمت لك على شيء وعينته لك فتوكل على الله ولا تشاور فيه أحدا . { إن الله يحب المتوكلين } فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.