معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة النساء مدنية وآياتها ست وسبعون ومائة

قوله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني : آدم عليه السلام قوله تعالى : { وخلق منها زوجها } يعني : حواء ، قوله تعالى : { وبث منهما } ، نشر وأظهر ، قوله تعالى : { رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به } أي : تتساءلون به ، وقرأ أهل الكوفة بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين ، كقوله تعالى : { ولا تعاونوا } . قوله تعالى{ والأرحام } . قراءة العامة بالنصب ، أي : واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، وقرأ حمزة بالخفض ، أي : به وبالأرحام ، كما يقال : " سألتك بالله والأرحام " والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لا تكاد تنسق بظاهر على مكنى إلا أن بعد أن تعيد الخافض فتقول : مررت به وبزيد ، إلا أنه جائز مع قلته . قوله تعالى { إن الله كان عليكم رقيبا } . أي : حافظاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة النساء وهي مدنية

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }

افتتح تعالى هذه السورة بالأمر بتقواه ، والحث على عبادته ، والأمر بصلة الأرحام ، والحث على ذلك .

وبيَّن السبب الداعي الموجب لكل من ذلك ، وأن الموجب لتقواه لأنه { رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } ورزقكم ، ورباكم بنعمه العظيمة ، التي من جملتها خلقكم { مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ليناسبها ، فيسكن إليها ، وتتم بذلك النعمة ، ويحصل به السرور ، وكذلك من الموجب الداعي لتقواه تساؤلكم به وتعظيمكم ، حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم ، توسلتم بها بالسؤال بالله . فيقول من يريد ذلك لغيره : أسألك بالله أن تفعل الأمر الفلاني ؛ لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي أن لا يرد من سأله بالله ، فكما عظمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه .

وكذلك الإخبار بأنه رقيب ، أي : مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم ، وسرهم وعلنهم ، وجميع أحوالهم ، مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته ، وشدة الحياء منه ، بلزوم تقواه .

وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة ، وأنه بثهم في أقطار الأرض ، مع رجوعهم إلى أصل واحد -ليعطف بعضهم على بعض ، ويرقق بعضهم على بعض . وقرن الأمر بتقواه بالأمر ببر الأرحام والنهي عن قطيعتها ، ليؤكد هذا الحق ، وأنه كما يلزم القيام بحق الله ، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق ، خصوصا الأقربين منهم ، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر به .

وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالأمر بالتقوى ، وصلة الأرحام والأزواج عموما ، ثم بعد ذلك فصل هذه الأمور أتم تفصيل ، من أول السورة إلى آخرها . فكأنها مبنية على هذه الأمور المذكورة ، مفصلة لما أجمل منها ، موضحة لما أبهم .

وفي قوله : { وخلق مِنْهَا زَوْجَهَا } تنبيه على مراعاة حق الأزواج والزوجات والقيام به ، لكون الزوجات مخلوقات من الأزواج ، فبينهم وبينهن أقرب نسب وأشد اتصال ، وأقرب{[182]}  علاقة .


[182]:- في ب: وأوثق.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

{ يا أَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } .

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : { يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } : احذروا أيها الناس ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم ، وفيما نهاكم ، فيحلّ بكم من عقوبته ما لا قِبَل لكم به . ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، وعرّف عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأمّ واحدة ، وأن بعضهم من بعض ، وأن حقّ بعضهم على بعض واجب وجوب حقّ الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة . وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حقّ بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى . وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ، ولا يتظالموا ، وليبذل القويّ من نفسه للضعيف حقه بالمعروف ، على ما ألزمه الله له ، فقال : { الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني من آدم . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } : فمن آدم صلى الله عليه وسلم .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني : آدم صلى الله عليه وسلم .

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } قال : آدم .

ونظير قوله : { مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } والمعنيّ به رجل ، قول الشاعر :

أبوكَ خليفَةٌ وَلَدتْهُ أُخْرَى *** وأنتَ خليفةٌ ذاكَ الكَمالُ

فقال : «ولدته أخرى » ، وهو يريد الرجل ، فأنث للفظ الخليفة . وقال تعالى ذكره : { مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } لتأنيث «النفس » والمعنى . «من رجل واحد » ولو قيل : «من نفس واحد » ، وأخرج اللفظ على التذكير للمعنى كان صوابا .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيرا وَنِساءً } .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها } وخلق من النفس الواحدة زوجها¹ يعني ب «الزوج » الثاني لها وهو فيما قال أهل التأويل : امرأتها ، حوّاء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها } قال : حوّاء من قُصَيْرَى آدم وهو نائم ، فاستيقظ فقال : «أثا » بالنبطية امرأة .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها } يعني حوّاء خلقت من آدم ، من ضلع من أضلاعه .

حدثني موسى بن هارون ، قال : أخبرنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وَحِشا ليس له زوج يسكن إليها¹ فنام نومة ، فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها ما أنتِ ؟ قالت امرأة ، قال : ولم خلقتِ ؟ قالت : لتسكن إلي .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ألقي على آدم صلى الله عليه وسلم السّنة فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم ، عن عبد الله بن العباس وغيره ، ثم أخذ ضِلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ، ولأم مكانه ، وآدم نائم لم يهبّ من نومته ، حتى خلق الله تبارك وتعالى من ضلعه تلك زوجته حوّاء ، فسوّاها امرأة ليسكن إليها ، فلما كُشفت عنه السّنة وهبّ من نومته رآها إلى جنبه ، فقال فيما يزعمون والله أعلم : لحمي ودمي وزوجتي ! فسكن إليها .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي : { وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها } جعل من آدم حوّاء .

وأما قوله : { وَبَثّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيرا وَنِساء } فإنه يعني ونشر منهما يعني من آدم وحواء { رِجَالاً كَثِيرا وَنِسَاءً } قد رآهم ، كما قال جلّ ثناؤه : { كالفَرَاشِ المَبْثُوثِ } . يقال منه : بثّ الله الخلق وأبثهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَبَثّ مِنْهَما رِجالاً كَثِيرا وَنِساءً } وبثّ : خَلَق .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحام } .

اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه عامة قراء أهل المدينة والبصرة : «تَسّاءَلُونَ » بالتشديد ، بمعنى : تتساءلون ، ثم أدغم إحدى التاءين في السين ، فجعلهما سينا مشددة . وقرأه بعض قراء الكوفة : { تَسَاءَلُونَ } بالتخفيف على مثال «تَفَاعَلُونَ » ، وهما قراءتان معروفتان ، ولغتان فصيحتان ، أعني التخفيف والتشديد في قوله : { تَساءَلُونَ بِهِ } ، وبأيّ ذلك قرأ القارىء أصاب الصواب فيه ، لأن معنى ذلك بأيّ وجهيه قرىء غير مختلف .

وأما تأويله : { وَاتّقُوا اللّهَ } أيها الناس ، الذي إذا سأل بعضكم بعضا سأل به ، فقال السائل للمسؤول : أسألك بالله ، وأنشدك بالله ، وأعزم عليك بالله ، وما أشبه ذلك . يقول تعالى ذكره : فكما تعظّمون أيها الناس ربكم بألسنتكم ، حتى تروا أن من أعطاكم عهده فأخفركموه ، فقد أتى عظيما ، فكذلك فعظموه بطاعتكم إياه فيما أمركم ، واجتنابكم ما نهاكم عنه ، واحذروا عقابه من مخالفتكم إياه فيما أمركم به أو نهاكم عنه . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ } قال : يقول : اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ } يقول : اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : أخبرنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { تَساءَلُونَ بِهِ } قال : تعاطفون به .

وأما قوله : { والأرْحامَ } فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم ، قال السائل للمسؤول : أسألك به وبالرحم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } يقول : اتقوا الله الذي تعاطفون به والأرحام . يقول : الرجل يسأل بالله وبالرحم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : هو كقول الرجل : أسألك بالله ، أسألك بالرحم . يعني قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ الأرْحامَ } قال : يقول : أسألك بالله وبالرحم .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، هو كقول الرجل : أسألك بالرحم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : يقول : أسألك بالله وبالرحم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور أو مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأرْحامَ } قال : هو قول الرجل : أسألك بالله والرحم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : هو قول الرجل : أنشدك بالله والرحم .

قال محمد : وعلى هذا التأويل قول بعض من قرأ قوله : «والأرْحامِ » بالخفض عطفا بالأرحام على الهاء التي في قوله «به » ، كأنه أراد : واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام ، فعطف بظاهر على مكنيّ مخفوض . وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب لأنها لا تنسق بظاهر على مكني في الخفض إلا في ضرورة شعر ، وذلك لضيق الشعر¹ وأما الكلام فلا شيء يضطرّ المتكلم إلى اختيار المكروه من المنطق والرديء في الإعراب منه . ومما جاء في الشعر من ردّ ظاهر على مكنيّ في حال الخفض قول الشاعر :

نُعَلّقُ فِي مِثْلِ السّوَارِي سُيُوفَنا *** وَما بينها وَالكَعْبِ غُوطٌ نَفانِفُ

فعطف «الكعب » وهو ظاهر على الهاء والألف في قوله «بينها » وهي مكنية .

وقال آخرون : تأويل ذلك : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ } واتقوا الأرحام أن تقطعوها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأرْحامَ } يقول : اتقوا الله ، واتقوا الأرحام لا تقطعوها .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قتادة : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «اتّقُوا اللّهَ وَصِلُوا الأرْحامَ ، فإنّهُ أبْقَى لَكُمْ فِي الدّنيْا ، وَخَيْرٌ لَكُمْ فِي الاَخِرَةِ » .

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قول الله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } يقول : اتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الله في الأرحام فصلوها .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : اتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوه في الأرحام .

حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة في قول الله : { الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : اتقوا الأرحام أن تقطعوها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : هو قول الرجل : أنشدك بالله والرحم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «اتّقُوا اللّهَ وَصِلُوا الأرْحامَ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : اتقوا الأرحام أن تقطعوها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : ثني أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : { الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : يقول : اتقوا الله في الأرحام فصِلوها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } قال : يقول : واتقوا الله في الأرحام فصِلوها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي حماد ، وأخبرنا أبو جعفر الخزاز ، عن جويبر ، عن الضحاك ، أن ابن عباس كان يقرأ : { والأرْحامَ } يقول : اتقوا الله لا تقطعوها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : اتقوا الأرحام .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } أن تقطعوها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ } واتقوا الأرحام أن تقطعوها . وقرأ : { وَالّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَل } .

قال أبو جعفر : وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبا ، بمعنى : واتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، عطفا بالأرحام في إعرابها بالنصب على اسم الله تعالى ذكره . قال : والقراءة التي لا نستجيز للقارىء أن يقرأ غيرها في ذلك النصب : { وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ } بمعنى : واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء على مكنيّ في حال الخفض ، إلا في ضرورة شعر ، على ما قد وصفت قبل .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } .

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : إن الله لم يزل عليكم رقيبا . ويعني بقوله : { عَلَيْكُمْ } : على الناس الذين قال لهم جلّ ثناؤه : يا أيها الناس اتقوا ربكم والمخاطب والغائب إذا اجتمعا في الخبر ، فإن العرب تخرج الكلام على الخطاب ، فتقول إذا خاطبت رجلاً واحدا أو جماعة فعلتْ هي وآخرون غيّب معهم فعلاً : فعلتم كذا ، وصنعتم . كذا ويعني بقوله : { رَقِيبا } : حفيظا ، محصيا عليكم أعمالكم ، متفقدا رعايتكم حرمة أرحامكم وصلتكم إياها ، وقطعكموها وتضييعكم حرمتها . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { إنّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } : حفيظا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد في قوله : { إنّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } على أعمالكم ، يعلمها ويعرفها .

ومنه قول أبي دؤاد الإيادي :

كمَقاعِدِ الرّقَباءِ *** للضّرَباءِ أيدِيهِمْ نَوَاهِدْ