تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة النساء مدنية بعد الممتحنة عدد آياتها ست وسبعون ومائة ، فهي أطول سورة مدنية في القرآن بعد سورة البقرة . ويطلق عليها اسم " سورة النساء الكبرى " تمييزا لها عن سورة " الطلاق " التي يسميها البعض " سورة النساء الصغرى " .

وتشتمل هذه السورة على وضع الأسس للاستقرار الداخلي والاستقرار الخارجي في المجتمع ، ذلك أن احتفاظ الأمم بكيانها يرتبط بهذين الأمرين العظيمين . فالاستقرار الداخلي : أساسه صلاح الأسرة ، وصلاح المال في ظل تشريع عادل مبني على مراعاة مقتضيات الطبيعة الإنسانية ، مجرد من تحكيم الأهواء والشهوات . والاستقرار الخارجي : أساسه احتفاظ الأمة بشخصيتها وقدرتها على مقاومة الشر الذي قد يطرأ عليها ، والعدو الذي يطمع فيها .

وقد تكفّلت سورة النساء بوضع أسس الأحكام التي تصلح بها هذه النواحي ، فعرضت للموضوعات التالية :

العناية بشأن النساء ، تنظيم الأسرة والزواج ، المال ، أسس الجماعة الإسلامية ، مصادر التشريع ، العناية باليتامى في أنفسهم وأموالهم وإحسان تربيتهم ، ألوان التمرد على التشريع ، مكافحة الآراء والشُبه الضارة ، أحكام الميراث ، القتال وأهدافه في الإسلام ، وتتويج هذا كله بالدعوة إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من هداية ونور .

الزوج : يطلق على الذكر والأنثى .

بث : خلق ونشر .

تساءلون به : يسأل بعضكم بعضا به ، كأن يقول : سألتك بالله أن تفعل كذا . الأرحام : جمع رحم وهي القرابة .

يا أيها الناس احذروا عصيان خالقكم ، الذي أنشأكم من العدم ، واذكروا أنه أوجدكم من نفس واحدة خلق منها زوجها ، ثم نشر منها رجالاً ونساء كثيرين . فاتقوا الله الذي تستعينون به في كل ما تحتاجون ، ويسأل بعضكم بعضا باسمه فيما تتبادلون من أمور . كذلك تذكَّروا حقوق الرحم والقرابةِ عليكم فلا تفّرطوا فيها ولا تقطعوا وشائجها .

وقد قرن الله الرحم باسمه الكريم لأن صلتها أمر عظيم عنده . وقد ورد في الحديث الصحيح «أن الرحم تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله » ، وكذلك قال رسول الله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصِل رحمه » . قراءات :

قرأ عاصم وحمزة والكسائي : «تساءلون » بفتح السين المخففة ، وقرأ الباقون «تساءلون » بفتح السين المشددة ، وقرأ حمزة «والأرحام » بجر الميم .