في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (25)

18

( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ، ووفيت كل نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون ) ؟

كيف ؟ إنه التهديد الرعيب الذي يشفق القلب المؤمن أن يتعرض له وهو يستشعر جدية هذا اليوم وجدية لقاء الله ، وجدية عدل الله ؛ ولا يتميع تصوره وشعوره مع الأماني الباطلة والمفتريات الخادعة . . وهو بعد تهديد قائم للجميع . . مشركين وملحدين ، وأهل كتاب ومدعي إسلام ، فهم سواء في أنهم لا يحققون في حياتهم الإسلام !

( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) . . وجرى العدل الإلهي مجراه ؟ ( ووفيت كل نفس ما كسبت ) . . بلا ظلم ولا محاباة ؟ ( وهم لا يظلمون ) . . كما أنهم لا يحابون في حساب الله ؟

سؤال يلقى ويترك بلا جواب . . وقد اهتز القلب وارتجف وهو يستحضر الجواب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفّيَتْ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَكَيْفَ إذَا جَمَعْناهُمْ } فأيّ حال يكون حال هؤلاء القوم الذين قالوا هذا القول ، وفعلوا ما فعلوا من إعراضهم عن كتاب الله واغترارهم بربهم ، وافترائهم الكذب . وذلك من الله عزّ وجلّ وعيد لهم شديد ، وتهديد غليظ . وإنما يعني بقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } . . . الاَية : فما أعظم ما يلقون من عقوبة الله وتنكيله بهم إذا جمعهم ليوم يوفى كل عامل جزاء عمله على قدر استحقاقه غير مظلوم فيه ، لأنه لا يعاقب فيه إلا على ما اجترم ، ولا يؤاخذ إلا بما عمل ، يجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، لا يخاف أحد من خلقه يومئذ ظلما ولا هضما .

فإن قال قائل : وكيف قيل : { فَكَيْفَ إذَا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبٍ فِيهِ } ولم يقل : في يوم لا ريب فيه ؟ قيل : لمخالفة معنى اللام في هذا الموضع معنى في ، وذلك أنه لو كان مكان اللام «في » لكان معنى الكلام : فكيف إذا جمعناهم في يوم القيامة ماذا يكون لهم من العذاب والعقاب ، وليس ذلك المعنى في دخول اللام ، ولكن معناه مع اللام ، فكيف إذا جمعناهم لما يحدث في يوم لا ريب فيه ، ولما يكون في ذلك اليوم من فصل الله القضاء بين خلقه ، ماذا لهم حينئذ من العقاب وأليم العذاب ؟ فمع اللام في : { لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ } نية فعل وخبر مطلوب قد ترك ذكره ، أجزأت دلالة دخول اللام في اليوم عليه منه ، وليس ذلك مع «في » فلذلك اختيرت اللام فأدخلت في «ليوم » دون «في » .

وأما تأويل قوله : { لا رَيْبَ فِيهِ } فإنه لا شكّ في مجيئه ، وقد دللنا على أنه كذلك بالأدلة الكافية ، مع ذكر من قال ذلك في تأويله فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وعنى بقوله : { وَوُفّيَتْ } ووفى الله { كلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ } يعني ما عملت من خير وشرّ ، { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } يعني أنه لا يبخس المحسن جزاء إحسانه ، ولا يعاقب مسيئا بغير جرمه .