وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا
قيل هي كلها مكية وقال ابن عباس نزلت بمكة ليلا جملة إلا ست آيات وهي ' { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } ' وقوله ' { وما قدروا الله حق قدره } ' وقوله تعالى ' { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي } ' وقوله ' { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم } ' وقوله ' { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك } ' وقوله ' { والذين آتيناهم الكتاب يعرفونه }'{[1]} وقال الكلبي الأنعام كلها مكية إلا آيتين نزلتا بالمدينة في فنحاص اليهودي وهي{[2]} ' { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } ' مع ما يرتبط بهذه الآية وذلك أن فنحاصا قال ما أنزل الله على بشر من شيء .
وقال ابن عباس نزلت سورة الأنعام وحولها سبعون ألف ملك لهم زجل{[3]} يجأرون بالتسبيح . وقال كعب فاتحة التوراة فاتحة الأنعام ' { الحمد لله } ' إلى ' { يعدلون } ' وخاتمة التوراة خاتمة هود ' { وما ربك بغافل عما تعملون } ' وقيل خاتمتها ' { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له ' إلى ' تكبيرا }'{[4]} .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأنعام من نجائب القرآن{[5]} .
وقال علي بن أبي طالب من قرأ سورة الأنعام فقد انتهى في رضى ربه{[6]} .
هذا تصريح بأن الله تعالى هو الذي يستحق الحمد بأجمعه . لأن الألف واللام في { الحمد } لاستغراق الجنس ، فهو تعالى له الأوصاف السنية والعلم والقدرة والإحاطة والأنعام ، فهو أهل للمحامد على ضروبها وله الحمد الذي يستغرق الشكر المختص بأنه على النعم ، ولما ورد هذا الإخبار تبعه ذكر بعض أوصافه الموجبة للحمد ، وهي الخلق «للسماوات والأرض » قوام الناس وأرزاقهم ، { والأرض } ها هنا للجنس فإفرادها في اللفظ بمنزلة جمعها ، والبادي من هذا الترتيب أن السماء خلقت من قبل الأرض ، وقد حكاه الطبري عن قتادة ، وليس كذلك لأن الواو لا ترتب المعاني ، والذي ينبني من مجموع آي القرآن أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها ثم استوى إلى السماء فخلقها ثم دحا الأرض بعد ذلك ، و { جعل } ها هنا بمعنى خلق لا يجوز غير ذلك ، وتأمل لم خصت { السماوات والأرض } ب { خلق } و { الظلمات والنور } ب { جعل }{[4814]} ؟ وقال الطبري { جعل } هذه هي التي تتصرف في طرق الكلام كما تقول جعلت كذا فكأنه قال وجعل إظلامها وإنارتها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير جيد ، لأن { جعل } إذا كانت على هذا النحو فلا بد أن يرتبط معها فعل آخر كما يرتبط في أفعال المقاربة كقولك كاد زيد يموت ، «جعل » زيد يجيء ويذهب ، وأما إذا لم يرتبط معها فعل فلا يصح أن تكون تلك التي ذكر الطبري{[4815]} .
وقال السدي وقتادة والجمهور من المفسرين : { الظلمات } الليل و { النور } النهار ، وقالت فرقة : { الظلمات } الكفر و { النور } الإيمان .
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير جيد لأنه إخراج لفظ بين في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن لغير ضرورة ، وهذا هو طريق اللغز الذي برىء القرآن منه ، و { النور } أيضاً هنا للجنس فإفراده بمثابة جمعه{[4816]} .
وقوله تعالى : { ثم } دالة على قبح فعل { الذين كفروا } لأن المعنى أن خلقه «السموات والأرض » وغيرهما قد تقرر ، وآياته قد سطعت ، وأنعامه بذلك قد تبين ثم بعد هذا كله عدلوا بربهم ، فهذا كما تقول : يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني ، أي بعد مهلة من وقوع هذا كله ، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو لم يلزم التوبيخ كلزومه ب { ثم } ، { الذين كفروا } في هذا الموضع هم كل من عبد شيئاً سوى الله قال قتادة : هم أهل الشرك خاصة ، ومن خصص من المفسرين في ذلك بعضاً دون بعض فلم يصب ، إلا أن السابق من حال النبي صلى الله عليه وسلم أن الإشارة إلى عبدة الأوثان من العرب لمجاورتهم له ، ولفظ الآية أيضاً يشير إلى المانوية{[4817]} ، ويقال الماننية العابدين للنور القائلين إن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلام ، وقول ابن أبزى :«إن المراد أهل الكتاب بعيد » . و { يعدلون } معناه يسوون ويمثلون ، وِعدل الشيء قرينه ومثيله ، والمنوية مجوس ، وورد في مصنف أبي داود حديث وهو القدرية مجوس هذه الأمة{[4818]} ، ومعناه الإغلاظ عليهم والذم لهم في تشبيههم بالمجوس وموضع الشبه هو أن المجوس تقول الأفعال خيرها خلق النور وشرها خلق الظلمة فجعلوا خالقاً غير الله ، والقدرية تقول الإنسان يخلق أفعاله فجعلوا خالقاً غير الله تعالى عن قولهم ، وذهب أبو المعالي إلى التشبيه بالمجوس إنما هو قول القدرية : إن الخير من الله وإن الشر منه ولا يريده ، وإنما قلنا في الحديث إنه تغليظ لأنه قد صرح أنهم من الأمة ولو جعلهم مجوساً حقيقة لم يضفهم إلى الأمة ، وهذا كله أن لو صح الحديث والله الموفق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.