مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي مائة وخمس وستون آية كوفي أربع وستون بصرى

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الحمد للَّهِ } تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أي الحمد له وإن لم تحمدوه { الذى خَلَقَ السماوات والأرض } جمع السموات لأنها طباق بعضها فوق بعض . والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض . «جعل » يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله { وَجَعَلَ الظلمات والنور } وإلى مفعولين إن كان بمعنى «صير » كقوله { وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا } [ الزخرف : 19 ] وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة ، وأفرد النور لإرادة الجنس ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشيء ، نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبها ، والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات ، وقدم الظلمات لقوله عليه السلام : " خلق اللّه خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل " { ثْمَّ الذين كَفَرُواْ } بعد هذا البيان { بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } يساوون به الاوثان ، تقول عدلت بذا أي ساويته به ، والباء في { بِرَبِّهِمْ } لا للكفر ، أو ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه أي يعرضرن عنه فتكون الباء صلة للكفر وصلة { يَعْدِلُونَ } أي عنه محذوفة ،