السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، إلا { واصبر نفسك } الآية وهي مائة وعشر آيات وألف وخمسمائة وسبع وسبعون كلمة وعدد حروفها ستة آلاف وثلاثمائة وستون حرفاً .

{ بسم الله } الذي لا كفء له ولا شريك { الرحمن } الذي أقام عباده على أوضح الطرق بإنزال هذا الكتاب { الرحيم } بتفضيل من اختصه بالصواب وهو قوله تعالى : { الحمد لله } .

{ الحمد لله } تقدّم الكلام عليه مستقصى في أوّل الفاتحة : { الذي أنزل على عبده الكتاب } ، أي : القرآن رتب تعالى استحقاق الحمد على إنزاله تنبيهاً على أنه أعظم إنعامه وخص رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكر لأن إنزال القرآن نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم ، أمّا كونه نعمة عليه فلأنّ الله تعالى أطلعه بواسطة هذا الكتاب الكريم على أسرار علوم التوحيد والتنزيه . وصفات الجلال والإكرام وأسرار أحوال الملائكة والأنبياء وأحوال القضاء والقدر وتعلق أحوال العالم السفليّ بأحوال العالم العلويّ ، وتعلق أحوال عالم الآخرة بعالم الدنيا ، وكيفية نزول القضاء من عالم الغيب ، وكيفية ارتباط عالم الجسمانيات بعالم الروحانيات ، ولا شكّ أنّ ذلك من أعظم النعم . وأمّا كون هذا الكتاب نعمة علينا فلأنه مشتمل على التكاليف والأحكام والوعد والوعيد والعقاب . وبالجملة فهو كتاب كامل في أقصى الدرجات فكل أحد ينتفع به بمقدار طاقته وفهمه فوجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمّته أن يحمدوه على هذه النعم الجزيلة . وقال تعالى : { على عبده } لما في كل من الوصف بالعبودية والإضافة إليه سبحانه وتعالى من الإعلام بتشريفه وإشارة إلى أنه الذي أسرى به إلى حضرات مجده ليريه من آياته . ثم إنه تعالى وصف الكتاب بوصفين الأوّل قوله تعالى : { ولم يجعل له } ، أي : فيه { عوجاً } ، أي : اختلافاً وتناقضاً كما قال تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } [ النساء 82 ] والجملة حال من الكتاب .

الوصف الثاني : قوله تعالى : { قيماً } قال ابن عباس : يريد مستقيما ، أي : معتدلاً لا إفراط فيه ولا تفريط . قال الرازي : وهذا عندي مشكل لأنه لا معنى لنفي الاعوجاج إلا حصول الاستقامة فتفسير القيم بالمستقيم يوجب التكرار بل الحق أنّ المراد من كونه قيما كونه سبباً لهداية الخلق وأنه يجري مجرى من يكون قيماً للأطفال فالأرواح البشرية كالأطفال والقرآن كالقيم المشفق القائم بمصالحهم وقال قبل ذلك أنّ الشيء يجب أن يكون كاملاً في ذاته ثم يكون مكملاً لغيره ، ويجب أن يكون تامّاً في ذاته ثم يكون فوق التمام بأن يفيض عنه كمال الغير فقوله تعالى : { ولم يجعل له عوجاً } إشارة إلى كونه كاملاً في ذاته .