الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكهف

مكية وآياتها 110

هذه السورة مكية في قول جميع المفسرين ، وروي عن قتادة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله { جرزا } والأول أصح وهي من أفضل سور القرآن وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ألا أخبركم بسورة عظمها ما بين السماوات والأرض ولمن جاء بها من الأجر مثل ذلك ، قالوا أي سورة هي يا رسول الله ؟ قال : سورة الكهف من قرأ بها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ) وفي رواية أنس ( من قرأ بها أعطي نور بين السماء والأرض ووقي بها فتنة القبر ) .

وعن البراء بن عازب قال : كان رجل يقرا سورة الكهف وإلى جانبه فرس مربوط بشطنين فغشيته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه مع ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال ( تلك السكينة نزلت بالقرآن ) رواه البخاري واللفظ له ومسلم والترمذي والنسائي والرجل المبهم في الحديث هو أسيد بن حضير .

وفي الحديث الصحيح من طريق النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فمن أدرك الدجال منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ) وذكر الحديث رواه مسلم وغيره زاد أبو داود فإنها جواركم من فتنته .

وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قرأ عشرة آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي واللفظ لمسلم .

وفي رواية لمسلم وأبي داود ( من آخر الكهف وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نور من مقامه إلى مكة ، ومن قرأ بعشر آيات من آخرها فخرج الدجال لم يسلط عليه ) رواه الترمذي والحاكم في " المستدرك " والنسائي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم .

وله في رواية من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين وقال صحيح الإسناد وأخرجه الدارمي في مسنده موقوفا ورواته متفق على الاحتجاج بهم إلا أبا هاشم يحيى ابن دينار الرماني وقد وثقه أحمد ويحي وأبو زرعة وأبو حاتم ، انتهى من " السلاح " .

قوله تعالى : { الحمد لِلَّهِ الذي أَنزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب } [ الكهف : 1 ] .

كان حفْصٌ عن عاصم يَسْكُتُ عند قوله : { عِوَجَا } سكتةً خفيفة ، وعند { مَّرْقَدِنَا } في يس [ يس : 52 ] ، وسبب هذه البداءة في هذه السورة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما سألته قريشٌ عن المسائِلِ الثَّلاثِ : الرُّوحِ ، وأصحابِ الكهف ، وذِي القَرْنَيْنِ ، حسب ما أمرتهم به يهود قال لهم صلى الله عليه وسلم : ( غَداً أُخْبِرُكُمْ بِجَوَابِ مَا سَأَلْتُمْ ) ولم يقلْ : إِن شاء اللَّه ، فعاتَبَهُ اللَّه عزَّ وجلَّ ، وأمسك عنه الوحْيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يوماً ، وأرجف به كُفَّار قريشٍ ، وشَقَّ ذلك على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبلَغَ منه ، فلما انقضى الأمَدُ الذي أراد اللَّهُ عِتَابَ نبيِّه ، جاءه الوحْيُ بجوابِ ما سألوه ، وغير ذلك ، فافتتح الوحْي ب{ الحمد لِلَّهِ الذي أَنزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب } ، وهو القرآن .

وقوله : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } ، أي : لم ينزله عن طريق الاستقامة ، «والعِوَج » فَقُدُ الاستقامة ،