الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المائدة مدنية وهي مائة وعشرون آية

يقال وفى بالعهد وأوفى به ومنه : { والموفون بعهدهم } [ البقرة : 177 ] . والعقد : العهد الموثق ، شبه بعقد الحبل ونحوه ، قال الحطيئة :

قَوْمٌ إذَا عَقَدُوا عَقْداً لِجَارِهِم *** شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا

وهي عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف . وقيل : هي ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات ويتحالفون عليه ويتماسحون من المبايعات ونحوها . والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه وأنه كلام قدم مجملاً ثم عقب بالتفصيل وهو قوله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ } وما بعده . البهيمة : كلّ ذات أربع في البرّ والبحر ، وإضافتها إلى الأنعام للبيان ، وهي الإضافة التي بمعنى ( من ) كخاتم فضة . ومعناه : البهيمة من الأنعام { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } إلا محرّم ما يتلى عليكم من القرآن ، من نحو قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة } ، أو إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه . والأنعام : الأزواج الثمانية . وقيل : ( بهمية الأنعام ) الظباء وبقر الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار وعدم الأنياب ، فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه { غَيْرَ مُحِلّى الصيد } نصب على الحال من الضمير في ( لكم ) أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد . وعن الأخفش أن انتصابه عن قوله : { أَوْفُواْ بالعقود } وقوله : { وَأَنتُمْ حُرُمٌ } حال عن محلي الصيد ، كأنه قيل : أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون ، لئلا نحرج عليكم { إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } من الأحكام ، ويعلم أنه حكمة ومصلحة . والحرم : جمع حرام وهو المحرم .