{ بِسْمِ اللهِ الرَّحمان الرَّحِيمِ } { يا أَيُّهَا الذين آمَنُوا أَوْفُوا بالعقود } الوفاءُ القيامُ بموجَبِ العَقْد ، وكذا الإيفاء ، والعقد هو العهدُ الموَثَّقُ المشبَّه بعقد الحبل ونحوه ، والمراد بالعقود ما يعمّ جميعَ ما ألزمه الله تعالى عبادَه وعقَده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية وما يعقِدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها ، مما يجب الوفاء به ، أو يحسنُ دِيناً بأن يُحمل الأمرُ على معنىً يعمّ الوجوبَ والندبَ . أُمرَ بذلك أولاً على وجه الإجمال ، ثم شُرِعَ في تفصيلِ الأحكام التي أمر بالإيفاء بها وبُدئ بما يتعلّق بضروريات مَعايشِهم فقيل : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام } البهيمةُ كلُّ ذات أربع ، وإضافتُها إلى الأنعام للبيان كثوب الخزّ ، وإفرادُها لإرادة الجنس ، أي أحِلّ لكم أكلُ البهيمة من الأنعام ، وهي الأزواجُ الثمانية{[154]} المعدودة في سورة الأنعام ، وأُلحِق بها الظباءُ وبقَرُ الوَحْش ونحوُهما ، وقيل : هي المرادة بالبهيمة هاهنا لتقدّم بيان حِلِّ الأنعام ، والإضافةُ لما بينهما من المشابهة والمماثلة في الاجترار وعدم الأنياب ، وفائدتُها الإشعارُ بعِلة الحكم المشتركة بين المضافَيْن ، كأنه قيل : أُحلت لكم البهيمةُ الشبيهة بالأنعام التي بَيَّن إحلالَها فيما سبق ، المماثِلةُ لها في مَناطِ الحُكم{[155]} . وتقديم الجارّ والمجرور على القائم مَقام الفاعل لما مر مراراً من إظهار العناية بالمقدَّم ، لما فيه من تعجيل المسرَّة والتشويق إلى المؤخَّر ، فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخِّر تبقى النفسُ مترقِّبةً إلى وروده ، فيتمكّن عندها فضلُ تمكّن . { إِلاَّ مَا يُتلى عَلَيْكُمْ } استثناء من ( بهيمةُ ) أي إلا مُحرَّمَ ما يتلى عليكم من قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة } ونحوَه ، أو إلا ما يُتلى عليكم آيةُ تحريمه . { غَيْرَ مُحِلّي الصيد } أي الاصطيادِ في البَرّ أو أكلِ صيده ، وهو نصبٌ على الحالية من ضمير لكم ، ومعنى عدمِ إحلالِهم له تقريرُ حرمته عملاً واعتقاداً ، وهو شائع في الكتاب والسنة ، وقوله تعالى : { وَأَنتُمْ حُرُمٌ } أي مُحرمون ، حال من الضمير في مُحِلِّي . وفائدةُ تقييد إحلالِ بهيمةِ الأنعام بما ذُكر من عدم إحلالِ الصيد حالَ الإحرام على تقدير كونِ المراد بها الظباءَ ونظائرَها ظاهرةٌ ، لما أن إحلالها غيرُ مُطلق ، كأنه قيل : أحل لكم الصيدُ حالَ كونِكم ممتنعين عنه عند إحرامكم . وأما على التقدير الأول ففائدته إتمامُ النعمة وإظهارُ الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم إليه ، فإن حرمةَ الصيد في حالة الإحرام من مظانِّ حاجتهم إلى إحلال غيرِه حينئذ ، كأنه قيل : أحلت لكم الأنعام مطلقاً حالَ كونكم ممتنِعين عن تحصيل ما يُغنيكم عنها في بعض الأوقات محتاجين إلى إحلالها . وفي إسناد عدم الإحلال إليهم بالمعنى المذكور مع حصول المراد بأن يقال : غيرُ محلَّلٍ لكم ، أو محرماً عليكم الصيدُ حال إحرامكم مزيدُ تربيةٍ للامتنان ، وتقرير للحاجة ببيان علتها القريبة ، فإن تحريم الصيد عليهم إنما يوجب حاجتهم إلى إحلال ما يغنيهم عنه باعتبار تحريمهم له عملاً واعتقاداً ، مع ما في ذلك من وصفهم بما هو اللائق بهم ، { إِنَّ الله يَحْكمُ مَا يُرِيدُ } من الأحكام حسبما تقتضيه مشيئتُه المبْنيةُ على الحِكَم البالغة ، فيدخل فيها ما ذُكر من التحليل والتحريم دخولاً أولياً ، ومعنى الإيفاء بهما الجرَيانُ على موجبهما عقداً وعملاً ، والاجتنابُ عن تحليل المحرمات وتحريم بعضِ المحلَّلاتِ كالبَحيرة{[156]} ونظائرِها التي سيأتي بيانها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.