فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية

وآياتها عشرون ومائة

كلماتها : 2048 حروفها : 11733

يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد( 1 )

{ أوفوا } أتموا ، أدوا وافيا . { العقود } ما تعاقدتم وتواثقتم عليه .

{ بهيمة } ما استبهم من الحيوان . { الأنعام } الإبل والبقر والغنم .

{ مُحلى الصيد } مستحلين صيده . { حُرم } محرمون أو على حال الإحرام .

قال أبو ميسرة : المائدة من آخر ما نزل ليس فيها منسوخ ، وفيها ثمان عشرة فريضة ليست في غيرها ؛ وهي : { المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع } ، { وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام } ، { وما علمتم من الجوارح مكلبين } ، { وطعام الذين أوتوا الكتاب } ، { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وتمام الطهور { وإذا قمتم إلى الصلاة } ، { والسارق والسارقة } ، { . . لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } إلى قوله : { عزيز ذو انتقام } و { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } ؛ وقوله تعالى : { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت . . } الآية : . . وفريضة تاسعة عشرة وهي قوله جل وعز : { وإذا ناديتم إلى الصلاة } ليس للأذان ذكر في القرآن إلا في هذه السورة ، أما ما جاء في سورة( الجمعة ) فمخصوص بالجمعة ؛ وهو في هذه السورة عام لجميع الصلوات .

{ يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } قال ابن عباس : . . { أوفوا بالعقود } يعني : ما أحل وما حُرم ، وما فُرض وما حُد في القرآن كله ، فلا تغدروا ولا تنكثوا ، ثم شدد ذلك فقال : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ( {[1655]} ) .

قال ابن زيد في قوله : { يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } قال : عقد العهد وعقد اليمين وعقد الحلف وعقد الشركة وعقد النكاح ، قال : هذه العقود خمس ؛ وقال ابن جرير : يأيها الذين آمنوا أقروا بوحدانية الله وأذعنوا له بالعبودية ، وسلموا له الألوهية ، وصدقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم في نبوته وفيما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه { أوفوا بالعقود } يعني أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربكم ، والعقود التي عاقدتموها إياه وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقا ، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضا فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها ، ولمن عاقدتموه منكم أوجبتموه له على أنفسكم ، ولا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها .

قال الزجاج : أوفوا بعقد الله عليكم ، وبعقدكم بعضكم على بعض ؛ والعقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله ، فإن خالفهما فهو رد لا يحب الوفاء به ولا يحل ؛ { أحلت لكم بهيمة الأنعام } البهيمة : اسم لكل ذي أربع ، سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعقلها ؛ والأنعام : اسم( {[1656]} ) للإبل والبقر والغنم ؛ { إلا ما يتلى عليكم } إلا ما يقرأ( {[1657]} ) عليكم تحريمه في القرآن العظيم ، كقول المولى سبحانه : { حرمت عليكم الميتة } وفي السنة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه : " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام " ؛ { أحلت } جعلها الله تعالى حلالا ، وفيه إبطال لافتراء المفترين الذين كانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، والذين كانوا يقولون : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ؛ وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ؛ وقد أزهق الحق إفكهم ، وأسقط الكتاب العزيز كذبهم ، فقال مولانا سبحانه : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) ( {[1658]} ) ؟ ! { غير محلي الصيد وأنتم حرم } أي لا محلين الصيد( {[1659]} ) في حالة الإحرام ، وفي الحرم( {[1660]} ) ؛ و { حرم } قيل : مفرد يستوي فيه الواحد والجمع ، كما يقال : قوم جنب ؛ قال الجوهري : رجل حرام أي مُحِْرم ، والجمع : حُرُم ؛ { إن الله يحكم ما يريد } المولى الذي لا رب غيره ولا إله سواه حكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه ، يشرع ما يشاء كما يشاء ، لا معقب لحكمه .

عن قتادة : يُحكِم ما أراد في خلقه ، وبين لعباده ، وفرض فرائضه ، وحد حدوده ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته ؛ - فأوفوا أيها المؤمنون بما عقد عليكم من تحليل ما أحل لكم ، وتحريم ما حرم عليكم ، وغير ذلك من عقود ، فلا تنكثوها ولا تنتقضوها-( {[1661]} ) .


[1655]:من سورة الرعد. الآية.
[1656]:عن الربيع والضحاك: بهيمة الأنعام؛ هي الأنعام وعن ابن عمر وابن عباس: ما في بطونها إن خرج ميتا فهو حلال، وهذه بهيمة الأنعام؛ وابن جرير يرى أنها الأنعام كلها، أجنتها وسخالها وكبارها.
[1657]:ومعلوم أن الفعل المضارع يفيد: الحال والاستقبال.
[1658]:من سورة يونس. الآية 59.
[1659]:والمراد به صيد البر، وأما صيد البحر فلا يمنع المحرم من صيده ولا من أكله.
[1660]:والصيد البري في الحرم محظور كل مكلف على كل أحواله، كما هو معلوم.
[1661]:ما بين العارضتين من جامع البيان.