{ يا أيها الذين آمَنُواْ } فهذا نداء المدح ، والنداء في القرآن على سبع مراتب : نداء المدح ، مثل قوله { مُّنتَظِرُونَ يا أيها النبي } { يا أيها الذين آمَنُواْ } { يا أيها الرسل } . ونداء الذم ، مثل قوله تعالى : { عَمُونَ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } { قُلْ يا أيها الذين هادوا إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أولياء لِلَّهِ مِن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صادقين } [ الجمعة : 6 ] . ونداء التنبيه ، مثل قوله { يا أيها الناس } . ونداء الإضافة ، مثل قوله { يا عِبَادِي } ونداء النسبة ، مثل قوله : { يا بني آدم } { يا بني إسرائيل } . ونداء الاسم : مثل قوله { يا إِبْرَاهِيمَ } { يا دَاوُودُ } . ونداء التعبير ، مثل قوله : { يا أَهْلِ الكتاب } فهاهنا نداء المدح : { يا أيها الذين آمَنُواْ } وهو من جوامع الكلم ، لأنه قال { يا أيها الذين آمَنُواْ } يعني صدقوا ، ولم يقل بأي شيء صدقوا ، معناه الذين صدقوا بوحدانية الله تعالى ، وصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، وصدقوا بجميع الرسل ، وبالبعث ، والحساب ، والجنة ، والنار . وقال عبد الله بن مسعود : كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه وإن أدب الله القرآن ، فإذا سمعت الله يقول : { يا أيها الذين آمَنُواْ } فأرعها سمعك فإنه خير مأمور به أو شر منهي عنه ، ويقال : جميع ما في القرآن { يا أيها الذين آمَنُواْْ } نزل بالمدينة ، وكل ما يقال في القرآن { يا أَيُّهَا الناس } نزل أكثره بمكة ، وقد قيل نزل بالمدينة أيضاً . ويقال : كل ما في القرآن { يا أيها الذين آمَنُواْْ } ذكر في مقابله في الإنجيل يا أيها المساكين .
ثم قال : { أَوْفُواْ بالعقود } يعني أتموا الفرائض التي ذكر الله تعالى في القرآن ، وعقد على عباده ما أحل لهم وحرم عليهم أن يوفوا بها . وقال مقاتل : { أَوْفُواْ بالعقود } يعني بالعهود التي بينكم وبين المشركين . ويقال : جميع العقود التي بينه وبين الناس ، والتي بينه وبين الله تعالى . وهذا من جوامع الكلم ، لأنه اجتمع فيه ثلاثة أنواع من العقود أحدها : العقود التي عقد الله تعالى على عباده من الأوامر والنواهي . والنوع الثاني : العقود التي يعقدها الإنسان بينه وبين الله تعالى من النذور والأيمان ، وغير ذلك . والنوع الثالث : العقود التي بينه وبين الناس ، مثل البيوع والإجارات وغير ذلك . فوجب الوفاء بهذه العقود كلها . ثم قال : { أُحِلَّتْ لَكُمْ } يعني رخصت لكم { بَهِيمَةُ الأنعام } والأنعام تشتمل على الإبل والبقر والغنم والوحش ، دليله على قوله تعالى { وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 142 ] ثم قال : { ثمانية أزواج } وأما البهيمة فهي كل حيّ لا يتميز ، وإنما قيل لها بهيمة لأنها أبهمت من أن تميز .
ثم قال : { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } يعني : رخصت لكم الأنعام كلها إلا ما حرم عليكم في هذه السورة ، وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك ، وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة والبحيرة ، فأخبر الله تعالى أنهما حلالان { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } يعني إلا ما بين في هذه السورة . ثم قال : { غَيْرَ مُحِلّي الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ } يعني : أحلت لكم هذه الأشياء من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون . ثم قال : { إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } يعني يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء ، لأنه أعرف بصلاح خلقه وما يصلحهم وما لا يصلحهم ، وليس لأحد أن يدخل في حكمه . وهذا كقوله { قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا } [ الكهف : 26 ] وقال { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ } « [ سورة الأنبياء : 23 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.