قوله تعالى : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود . . . }[ المائدة :1 ] .
الآية عامَّة في الوفاءِ بالعقودِ ، وهي الرُّبُوطُ في القَوْل ، كل ذلك في تعاهُدٍ على بِرٍّ ، أوْ في عُقْدَةِ نِكاحٍ ، أوْ بَيْعٍ ، أو غيره ، فمعنى الآيةِ أمْرُ جميعِ المؤمنينَ بالوَفَاءِ على عَقْدٍ جارٍ على رَسْم الشريعةِ ، وفَسَّر بعض الناسِ لفْظَ «العقود » بالعُهُودِ ، وقال ابنُ شِهَابٍ : قرأْتُ كتابَ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثهُ إلى نَجْرَانَ ، وفِي صَدْرِهِ :( هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُوله : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود } فكتب الآياتِ إلى قوله : { إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب }[ المائدة :4 ] .
قال( ع ) : وأصوبُ ما يقال في هذه الآية : أنْ تعمَّم ألفاظها بغايةِ مَا تَتَنَاوَلُ ، فيعمَّم لفظ المؤمنينَ في مُؤْمِنِي أهْلِ الكتابِ ، وفي كُلِّ مظهر للإيمانِ ، وإنْ لم يبطنْهُ ، وفي المؤمنينَ حقيقةً ، ويعمَّم لفظ العُقُودِ في كلِّ ربطٍ بقَوْلٍ موافِقٍ للحق والشَّرْع .
وقوله تعالى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام } اختلف في معنى { بَهِيمَةُ الأنعام } .
فقال قتادة وغيره : هي الأنعامُ كلُّها .
( ع ) : كأنه قال : أُحِلَّتْ لكم الأنعامُ . وقال الطبريُّ : قال قومٌ : بهيمةُ الأنعامِ : وحْشُهَا ، وهذا قولٌ حَسَنٌ ، وذلك أنَّ الأنعامَ هي الثمانيةُ الأزواجِ ، وانضاف إلَيْهَا مِنْ سائر الحَيَوان ما يُقَالُ له : أنعامٌ بمجموعِهِ معها ، والبهيمة في كلامِ العربِ : ما أبهم من جِهَةِ نَقْص النُّطْق والفَهْم .
وقوله : { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } : استثناءُ ما تُلِيَ في قوله تعالى : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة }[ المائدة : 3 ] «وما » في موضعِ نَصْبٍ ، على أصْل الاستثناءِ .
وقوله سبحانه : { غَيْرَ مُحِلِّي الصيد . . . }[ المائدة :1 ] نُصِبَ «غير » ، على الحال من الكافِ والميمِ في قوله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ } ، وهو استثناءٌ بعد استثناءٍ .
قال( ص ) : وهذا هو قولُ الجمهورِ ، واعترض بأنَّه يلزم منه تقييدُ الحِلِّيَّةِ بِحَالَةِ كَوْنهم غِيْرَ محلِّي الصَّيْدَ ، وهم حُرُمٌ ، والْحِلِّيَّةُ ثابتةٌ مطلقاً .
قال( ص ) : والجوابُ عندي عَنْ هذا ، أنَّ المفهوم هنا مَتْرُوكٌ ، لدليلٍ خَارجيٍّ ، وكثيرٌ في القرآن وغيره من المَفْهُومَاتِ المتروكَةِ لِمُعارِضٍ ، ثم ذكر ما نقله أبو حَيَّان من الوُجُوه التي لم يَرْتَضِهَا .
( م ) : وما فيها من التكلُّف ، ثم قال : ولا شَكَّ أنَّ ما ذكره الجمهورُ مِنْ أنَّ «غَيْر » : حالٌ ، وإنْ لزم عنه الترك بالمفهومِ ، فهو أولى من تَخْرِيجٍ تَنْبُو عنه الفُهُوم ، انتهى .
وقوله سبحانه : { إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } تقويةٌ لهذه الأحكامِ الشرعيَّة المخالِفَةِ لِمعهود أحكامِ الجاهليَّة ، أي : فأنت أيها السَّامِعُ لِنَسْخِ تلك التي عَهِدتَّ ، تَنَبَّهْ ، فإنَّ اللَّه الذي هو مَالِكُ الكُلِّ يحكُمُ ما يريدُ لا مُعقِّب لحُكْمه سُبْحانه .
قال( ع ) : وهذه الآيةُ مما تَلُوحُ فصاحتها ، وكَثْرَةُ معانِيهَا على قلَّة ألفاظها لكلِّ ذِي بَصَر بالكلامِ ، ولِمَنْ عنده أدنى إبْصَارٍ ، وقد حَكَى النَّقَّاش ، أنَّ أَصْحَابَ الكِنْدِيِّ قالوا للكنديِّ : أيُّهَا الحكيمُ ، اعمل لنا مثْلَ هذا القرآن ، فقال : نعم ، أعْمَلُ لكم مِثْل بعضِهِ ، فاحتجب أياماً كثيرةً ، ثم خَرَج ، فقال : واللَّهِ ، ما أَقْدِرُ عليه ، ولا يطيقُ هذا أحدٌ ، إني فتحْتُ المُصْحَفَ ، فخرجَتْ سورةُ المَائِدَةِ ، فنَظَرْتُ ، فإذا هو قد أَمَرَ بالوَفَاءِ ، ونهى عن النُّكْثِ ، وحلَّل تحليلاً عامًّا ، ثم استثنى استثناء بعد استثناء ، ثم أخبر عن قُدْرته وحِكْمته في سَطْرَيْنِ ، ولا يستطيعُ أحدٌ أنْ يأتِيَ بهذا إلاَّ في أَجْلاَدٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.